تلعب أسباب عدة وعوامل متباينة دوراً كبيراً في تربع أدوية بعينها على عرش قائمة الأكثر مبيعاً في السعودية، تجسدت بحسب متخصصين في افتقار المريض للثقافة الصحية، وأساليب شركات أدوية في تسويق أكبر قدر ممكن من منتجاتها بطرق شتى، وطمع بعض الأطباء والصيادلة في تحقيق مستوى معيشي أفضل عبر اتفاقات «سرية» مع تلك الشركات، إلى جانب رغبة ملاّك مستوصفات في مضاعفة أرباحهم، فضلاً عن دخول شركات التأمين إلى السوق الصحية. ووضعت شركات أدوية على عاتقها مسؤولية تحقيق طموحات مادية لأطباء وصيادلة وملاّك مستوصفات، في مقابل تكفلهم ببيع أكبر كمية من عقاقيرها، وتحريك السوق بمختلف منتجاتها أياً كانت تلك العقود والاتفاقات، وسواء أكانت تتم من فوق أو تحت الطاولة بحسب تأكيدات مصادر مطلعة ل«الحياة». وأوضح بعض القائمين على صيدليات خاصة (تحتفظ «الحياة» بأسمائهم) أن كثيراً من المرضى يختصرون سيناريو الذهاب إلى مستوصف أو مستشفى خاص، تجنباً للخضوع لبضعة تحاليل وأشعة ورسوم كشف، مكتفين بمشورة الصيدلي من دون وصفة طبية، توفيراً للمال واختصاراً للوقت، الذي بدوره يبيعه الدواء من دون وصفة طبية حتى يتمكن من تحقيق الإيراد الشهري الذي تفرضه عليه الشركة، وتحدد قيمته سلفاً بصورة شهرية. ويفرض على الصيدلي في معظم الصيدليات حد أدنى للمبيعات، غالباً ما يكون تعجيزياً بحسب صيادلة التقتهم «الحياة»، وهو ما يجعلهم يحاولون بشتى الطرق الوصول إلى هذا الحد للحصول على «مكافآت مالية» إضافية (عمولات) في ظل انخفاض قيمة مرتباتهم الأساسية التي لا تزيد في معظم الأحيان على 3 آلاف ريال. ولفت أحد الصيادلة إلى الفرق الكبير بين الصيدلي الذي يعمل في صيدلية مستقلة، ونظيره الذي يعمل في صيدليات تابعة لمستوصف أو مستشفى خاص، لأن الأول يواجه ضغوطاً هائلة من شركات الأدوية التي ترغمه على تحقيق إيراد شهري معين، في حين أن نظيره لا يطلب منه ذلك كون المستوصف يتعاقد سلفاً مع شركة الأدوية، التي تعمد إلى تحديد قائمة بعينها من الأدوية، يتم فرضها على الطبيب وإلزامه بتدوينها لمرضاه، وشرائها من الصيدلية التابعة له. وذكر أنه على رغم تعليمات وتعاميم وزارة الصحة التي تفرض على الصيدلي بيع قائمة بعينها من الأدوية ضمن وصفات طبية يشكل مجملها ما نسبته 85 في المئة، إلا أن الصيدلي يعجز عن الالتزام بذلك نظير حاجته إلى تحقيق القيمة المالية المطلوبة منه من قبل الشركة من جهة، وجهل المريض وعدم التزامه بما نصت عليه تعليمات الوزارة بإصراره للحصول على مبتغاه من جهة أخرى. وأكد أن مضاعفة راتب الصيدلي وعدم الضغط عليه بتحقيق النسبة المنشودة سيدفعانه إلى الالتزام ببيع الأدوية تبعاً لوصفاتها الطبية، ما يترتب على ذلك تقليص نسبة انتشار الأدوية بشكل عشوائي. وتسهم المكاسب الطائلة التي يحظى بها عدد من الأطباء والصيادلة وملاّك المستوصفات في مقابل العقود الضخمة مع شركات الأدوية تارة، أو عبر التواطؤ من تحت الطاولة تارة أخرى، في تضاعف نسبة استهلاك المريض لأدوية معينة. وكشف صيدلي آخر تجاوز بعض إدارات المستوصفات والمستشفيات الأهلية «أخلاقيات المهنة»، عبر تعاقدها مع شركات أدوية لشراء كميات منها لم يبق على صلاحيتها سوى بضعة أشهر بأسعار بخسة، ليستفيد الطرفان. فرض «التأمين» و«التبرعات» ضخّما مبيعات الأدوية أكد مسؤول توزيع في شركة أدوية (تحتفظ «الحياة» باسمه)، أن شركات التأمين وفرض التأمين الإجباري على ملاك الشركات وإلحاق موظفيهم بها كل ذلك جعل المريض يتعاطى مع الدواء في شكل أسهل، إذ إن ذهابه للطبيب وشراءه الأدوية التي نصحه بها طبيبه من دون أن يدفع شيئاً من ماله أسهم في ارتفاع نسبة المبيعات. وقال: «لم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إن طبيعة الأحداث السياسية والحروب الواقعة في بلدان مجاورة ضاعفت من حصيلة تلك المبيعات، من خلال حصيلة التبرعات على مستوى الحكومة والأفراد معاً». وأشار إلى أن نسبة انتشار دواء بعينه تعود إلى الآلية التي يعتمد على أساسها احتساب الدواء، «إذ تعتمد على إحدى الطريقتين، إما احتساب مجمل القيمة المالية وإيرادات ذلك المنتج مادياً، أو احتساب كمية وحدات (علب) المنتج المباعة، وعلى أساس ذلك تختلف نسبة الأدوية الأكثر انتشاراً تبعاً لهذه الطرق، نظراً لأن هناك كمية هائلة من منتجات بعينها يتم بيعها في السوق، ولكن أسعارها زهيدة لا تحظى بإيرادات عالية أسوة بغيرها من الأدوية». وأضاف: «هناك عوامل أخرى تفرض تربع أدوية بعينها على عرش قائمة الأكثر مبيعاً، مثل أن تكون أعراض الدواء الجانبية أقل من غيرها، أو أن يكون الدواء ضمن الأدوية التي تغطيها شركة التأمين». وأوضح أن المضادات الحيوية، ومضادات الاكتئاب وأدوية الضغط والسكر التي تعد من الأدوية التي يكررها المريض مدى حياته من أكثر الأدوية مبيعاً. وتابع: «إن المقويات الجنسية لا تستوجب وزارة الصحة صرفها في مقابل وصفة طبية، ما أسهم في انتشارها». من جهة ثانية، قال صيدلي (فضل عدم ذكر اسمه)، إن من أسباب انتشار استخدام الأدوية بشكل مبالغ فيه، سخاء الطبيب في تدوين ما لا يقل عن خمسة أدوية للمريض، على رغم أنه لا يحتاج منها سوى اثنين، وذلك يرجع إلى عدم كفاءته وجهله بتشخيص ما يعانيه المريض بدقة.