بروكسيل، باريس، روما - رويترز، أ ف ب - يبذل قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الحالي محاولة جديدة لإقناع أسواق المال بقدرتهم على احتواء أزمة الديون بالاتفاق على كيفية تعزيز تنسيق السياسة الاقتصادية وضبط الموازنة. وتضع 27 دولة في الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية خططاً لدعم النمو الاقتصادي وتأمين فرص عمل أثناء القمة التي تعقد الخميس المقبل بعد ثلاثة أيام من مناقشة زعيمي ألمانيا وفرنسا الاستراتيجية في برلين. ويساعد إظهار الاتحاد الأوروبي الوحدة على إقناع الأسواق بأن لدى الكتلة رد فعل مشتركاً لأسوأ أزمة تصيب «منطقة اليورو» التي تضم 16 دولة منذ إصدار العملة الموحدة قبل 11 سنة وقدرتها على الحيلولة دون امتداد أزمة ديون اليونان لدول أخرى. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو عقب اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل الجمعة الماضي: «أولويتنا تنظيم أحوال المالية العامة. نحتاج ضبطاً مالياً وثقافة استقرار مالي جديدة في أوروبا. لقد أدركت أوروبا حديثاً أن القواعد لم تُحترم وأنه ينبغي أن تحترم. إن الالتفاف على القواعد يعرّض مستقبلنا الاقتصادي الجماعي للخطر. نحتاج إلى التحرك في الاتجاه المعاكس. ينبغي أن نعزز القواعد وأسلوب إدارة الاتحاد الأوروبي لاقتصاده». وقد يقود الفشل في إظهار التضامن إلى تنامي قلق الأسواق، ما ساهم في هبوط اليورو والأسهم على مستوى العالم ويزيد من القلق من تعرض دول مثل إسبانيا والبرتغال لمشاكل بعد اليونان. وساعد الاتفاق على برنامج مساعدة لليونان بقيمة 110 بلايين يورو (132.4 بليون دولار) وشبكة أمان لدول منطقة اليورو الأخرى بقيمة 500 بليون يورو على تهدئة مخاوف المستثمرين إلى حد ما ولو على المدى القصير على الأقل. وبدأت قوة عمل برئاسة رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي العمل على إعداد إصلاحات لتعزيز ضوابط الموازنات، وتهدف التغييرات إلى تشديد القواعد المالية عقب الأزمة الاقتصادية العالمية. وكثيراً ما يبدو رد فعل الاتحاد الأوروبي بطيئاً تجاه الأزمة ولا تزال المخاوف متوسطة وطويلة الأمد تنتاب المستثمرين الذين يريدون رؤية كيفية عمل آلية الإنقاذ عند الممارسة وما إذا كانت الكتلة ستتخذ موقفاً موحداً بالفعل. ويمكن أن تحدد المحادثات التي تجري اليوم بين مركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اللذين يقودان أكبر اقتصادين في أوروبا إيقاع القمة وتريد الدولتان حماية اليورو وتحسين الأداء الاقتصادي، لكنهما يختلفان حول كيفية تحقيق ذلك. ووزعت وزارة المال الألمانية خطة من تسع نقاط تطالب بعقوبات أكثر صرامة على الحكومات التي تستهين بالقواعد المالية الأوروبية، بما في ذلك تعليق حقوق التصويت للدول التي تتكرر مخالفتها للضوابط وإجراءت إعلان إفلاس للدول. ويتفادى ساركوزي الصرامة التي تسعى إليها ألمانيا ويريد «حكومة اقتصادية» لمنطقة اليورو تُخصص لها أمانة لتنسيق السياسة الاقتصادية والتركيز على إعادة التوازن للاقتصاد الأوروبي وتعزيز النمو. وأجّل ساركوزي ومركل اجتماعاً الأسبوع الماضي في اللحظة الأخيرة في خطوة اعتُبرت على نطاق واسع دليلاً على مدى تدهور العلاقات بين الدولتين اللتين تُعتبران محرك للاتحاد الأوروبي. وقطعت الدولتان شوطاً لتهدئة المخاوف بإصدار خطاب لباروزو يدعو لإصلاح مالي أسرع وحظر بعض إشكال المعاملات على أسهم وسندات حكومية معينة، ولكن الشكوك ما زالت تحيط بعلاقاتهما. ويريد قادة الاتحاد الأوروبي معالجة المخاوف من امتداد أزمة الدين لدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تتعامل باليورو ولكن تعاني من عجز كبير أو ديون مثل هنغاريا وبريطانيا. ويواجه القادة رفضاً لبنود مهمة من الحملة الهادفة لرقابة أوثق على الموازنات من جانب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الذي يشارك في أول قمة للاتحاد الأوروبي منذ توليه منصبه. كما تواجه خطط التقشف التي أعلنتها بعض الحكومات الأوروبية خطر اضطرابات عمالية خشية أن تقود هذه التحركات إلى الحد من النمو وفقد وظائف. وسيحاول قادة الاتحاد الأوروبي معالجة هذه المخاوف عند الاتفاق على «استراتيجية أوروبا 2020» للعقد المقبل لخفض نسبة البطالة التي سجلت 9.7 في المئة في الاتحاد الأوروبي في نيسان (أبريل) الماضي وزيادة توقعات النمو بواقع الضعفين إلى اثنين في المئة. وأول من أمس أعلنت الحكومة الفرنسية التي بدأت على غرار شركائها الأوروبيين جهوداً كبيرة لخفض العجز في موازنتها، خفض النفقات العامة بواقع 45 بليون يورو من الآن وحتى 2013 لجعل العجز العام عند نسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال رئيس الوزراء فرانسوا فيون في اجتماع عام: «لقد تعهدنا أن نخفض عجزنا من ثمانية إلى ثلاثة في المئة بحلول 2013، وكل جهودنا ستتركز على هذه الأولوية. وهذا يعني في المطلق أنه ينبغي أن نخفض العجز بواقع 100 بليون يورو من الآن وحتى 2013». وتظاهر الآلاف من موظفي القطاع العام في روما احتجاجاً على خطة التقشف التي قررتها حكومة رئيس الوزراء سيلفيو بيرلوسكوني، وذلك تلبية لنداء اكبر نقابة إيطالية «سي جي أي إل». وأعلن المنظمون أن «مئة ألف» متظاهر شاركوا في التظاهرة، بينما قدرت الشرطة عددهم بنحو «25 ألفاً». ولف العديد من المتظاهرين منديلاً حول رقابهم كتب عليه «كل شيء على ظهورنا». وجابت المسيرة التي شوهدت فيها العديد من لافتات النقابة وسط روما التاريخي لساعات من ساحة الجمهورية إلى ساحة الشعب.