تلو (جنوب العراق) - أ ف ب - وسط قيظ يلهب أعماق الصحراء ويجعل السير أمراً شاقاً، يعبر فيليب كوزن (65 سنة) عن دهشته كسائر أفراد الفريق السياحي الفرنسي الذي يزور معه موقع تلو (غيرسو) السومري الأثري في جنوب العراق. وكوزن مهندس متقاعد يشكل مع 19 سائحاً أول مجموعة فرنسية تقوم بجولة على ما بقي من حضارات بلاد ما بين النهرين تستمر تسعة أيام، ضمنها آثار اور وبابل واوروك. ولهذه المواقع أهمية بالغة بالنسبة للإنسانية، لكن الزائرين قلة نادرة. وتقع تلو في محافظة ذي قار، وكبرى مدنها الناصرية (350 كلم جنوب من بغداد). وقرر الفريق السياحي التغلب على المخاطر التي قد تعترضهم في العراق، حيث تقع أعمال عنف، والتوجه خلافاً لآراء عائلاتهم أو وزارة الخارجية الى بلاد ما بين النهرين «ليشاهدوا بأم أعينهم مهد حضارة العالم القديم». ويهمس كوزن قائلاً: «إنه أمر مثير»، فيما كانت كاترين سورد المحاضرة الجامعية تقرأ تاريخ الموقع وآلهة الإمبراطورية السومرية التي تركت أساطيرها أثرها على العهد القديم. وأضاف أن «الكل يرغب في المجيء الى هنا، لكنهم لا يجرؤون، مؤكدين استحالة المغامرة في بلد كهذا، ونحن من الرواد القلائل المهمشين». وقالت كريستين لوروا بروست (65 سنة) المتخصصة في التاريخ القديم، أن اور الكلدانيين، مسقط رأس إبراهيم الخليل وفقاً للعهد القديم في الكتاب المقدس «رائعة ومؤثرة. لقد حلمنا بها منذ طفولتنا عندما كنا نقرأ قصصاً عن الشرق الأوسط». واختمرت فكرة تنظيم رحلات الى العراق في رأس الفرنسي هوبير ديباش مدير مؤسسة «تير انتييه» المتخصصة في الرحلات ذات الطابع الثقافي والديني المسيحي. ولا تسمح الأوضاع الأمنية الهشة في العراق بتنقل السياح في جميع الأمكنة. فالفريق الفرنسي يخضع لحماية ثلاثة حراس، ويجول في الجنوب فقط، ولن يذهب الى بغداد حيث الوضع «خطر جداً»، بحسب ديباش (44 سنة). ويعتبر ديباش أن هذه الرحلة الأولى تمثل نشاطاً سياسياً قائلاً: «أرفض القول عن بلد ما انه في محور الشر أو أن بلداً في محور الخير». ولكن لا بد من الحذر. فعلى الطريق المؤدي الى تلو تتوقف الحافلة في شكل مفاجئ لدى رؤية دراجة نارية ملقاة على الطريق. وقال المسؤول إن «أحد عناصر الشرطة من حراس الفريق سيتوجه منفرداً للتأكد من عدم وجود قنبلة». وأعضاء المجموعة السياحية من المولعين بالاكتشافات والتاريخ. وقال ديديه فارسي (55 سنة) القادم من مرسيليا انه يزور بلداناً كثيرة. ومع زيارته هذه، يكون تجاوز عددها 180 بلداً. واضاف فارسي: «لم يبق إلا حوالى 25 بلداً، أريد اكتشاف العالم كله». أما كاترين سودر، التي شاركت في أعمال تنقيب في العراق بين 1974 و1978، فتقول إن المواقع الأثرية في العراق ليست متاحة أمام الجميع. وأضافت: «بودي إطلاق بعض النميمة، ليس هناك سياح من فئات شعبية هنا، فالزبائن مختلفون تماماً». وبين المجموعة أشخاص ليسوا مطلعين في شكل كاف على العادات والتقاليد العربية، والفوارق غير مستبعدة. وخلال استراحة الغداء، قررت امرأتان السباحة في ظل الحرارة المرتفعة فألقتا بنفسيهما في نهر دجلة بلباس السباحة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة الى سكان القرية المجاورة. وصرخ ديباش قائلاً: «عليكن تغطية انفسكن فور الخروج من المياه وبسرعة لأن القلق بدأ يساورنا». وعلى رغم ذلك، استقبل الفريق بالترحاب من السلطات المحلية والأهالي الذين كانوا ينظرون بفضول الى الكاميرات والحقائب التي حملوها على أكتافهم. وقال محافظ ذي قار طالب الحسن الذي صعد الى الحافلة للترحيب بالفريق: «أصدقائي الأعزاء نريد منكم أن تبعثوا برسالة موضوعية للفرق الأخرى التي ستأتي بعدكم». وكانت الدهشة واضحة لدى سكان الشطرة. وقال محمد صاحب (38 سنة) مبتسماً: «جئت بسرعة لألتقط لهم صوراً».