استمر الاتحاد الأوروبي المصدّر الرئيس للاستثمارات إلى الضفة الجنوبية للمتوسط خلال العام الماضي، بحسب ما أورده التقرير السنوي الذي أعده مرصد «أنيما»، مقره بروكسيل، ويموله الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم الاهتمام المتزايد الذي أبدته الولاياتالمتحدة والبلدان الآسيوية بالاستثمار في المنطقة، فإنها لم تستطع إزاحة البلدان الأوروبية، القريبة جغرافياً وثقافياً من الضفة الجنوبية، عن موقعها المتقدّم، ربما لأسباب تتعلق بالتاريخ المشترك. وأظهر التقرير أن بلدان الاتحاد الأوروبي استثمرت فعلاً 54 في المئة من المبلغ الذي أعلنته وهو 32.3 بليون يورو، في 13 بلداً من منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولوحظ تراجع للاستثمارات الخليجية، فيما ركز الأوروبيون على قطاعي الصناعة والخدمات. وعزا منسق التقرير زويي لوسون تقدم الأوروبيين على سواهم وميلهم للاستثمار في بلدان قريبة منهم، إلى سيطرة هاجس خفض التكلفة وتأمين نفقات الشحن والنقل. وأوضح أن خمسة بلدان أوروبية احتلّت المراتب الأولى من بين عشرة بلدان رئيسة استثمرت في الضفة الجنوبية للمتوسط العام الماضي، من بينها بريطانيا (6.7 بليون يورو) أولى وفرنسا (3.5 بليون يورو) ثالثة، فيما تراجعت الاستثمارات الخليجية التي احتلت المقدمة في 2007 بأكثر من 22 بليون دولار. ولم يُعلن الخليجيون العام الماضي سوى عن 7 بلايين دولار من الاستثمارات المباشرة، غالبيتها في مصر. ولاحظ التقرير أيضاً أن بلدان أميركا الشمالية انسحبت من الاستثمار في المنطقة بخاصة من المغرب العربي، إذ لم تشكل استثماراتها المباشرة في المنطقة سوى 12 في المئة. وقال التقرير إن مفاعيل الأزمة الاقتصادية وصلت في وقت متأخر نسبياً إلى المنطقة المتوسطية، ما جعل حركة الاستثمار تتراجع، لكن بوتيرة أقل من تراجعها في مناطق أخرى. ففيما بلغ التراجع على الصعيد العالمي 35 في المئة، لم يتجاوز في البلدان المتوسطية 17 في المئة بحسب تقرير لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية. وأظهر التقرير الأخير أن الشركات الأجنبية باتت تفضل تنظيم شراكات مع متمولين محليين على الاستثمار المباشر، بدافع الحذر من الأخطار. وفي هذا السياق أبرمت 300 عملية شراكة العام الماضي في المنطقة في مقابل 204 شراكات فقط في 2008 و145 في 2007. وبدا أن المغرب العربي، يستقطب القسم الأكبر من الاستثمارات الأوروبية، بوصفه المنطقة المفضلة للمستثمرين الأجانب، انطلاقاً من سهولة الاندماج بين الجانبين على ما ورد في تقرير «أنيما»، الذي أفاد ايضاً بأن الاستثمارات الأوروبية في البلدان المغاربية أتاحت إيجاد 33500 فرصة عمل خلال السنوات السبع الأخيرة. واجتذبت البلدان المغاربية العام الماضي 8.5 بليون دولار من الاستثمارات الخارجية المباشرة، في مقابل 8 بلايين فقط في 2008. وعلى رغم اتخاذ الجزائر إجراءات صارمة في حق المستثمرين الأجانب، ازدادت الاستثمارات الأجنبية فيها من 1.5 بليون دولار في 2008 إلى 2.5 بليون. إلا أن قطاع الطاقة استأثر ب9 مشاريع من أصل عشرة هي الأكبر التي أعلن عنها في الجزائر. وحصد المغرب ثمار تركيزه على القطاع الصناعي، وبخاصة تجميع السيارات وإنشاء مناطق حرة، فازدادت الاستثمارات التي استقطبها من بليوني دولار في 2008 إلى 3.3 بليون. وأفاد بأن المشاريع العشرة الأولى كانت في قطاع التعدين والسيارات والاتصالات والمصارف والطاقة. وتراجعت الاستثمارات الجنبية في تونس 34 في المئة من 1.3 بليون دولار اجتذبتها عام 2008. وعزا التقرير التراجع إلى إرجاء مشاريع عقارية كبيرة باستثمارات خليجية، لكن تونس حققت اختراقاً بإنشاء مجمع لصناعات الطيران باستثمارات فرنسية. ولاحظ التقرير مفارقة بين النمو السريع للقطاعات المرتبطة بالسوق الداخلية أسوة بالاتصالات والإنترنت، في مقابل تراجع وتيرة الاستثمار في القطاعات الموجهة للتصدير. واستدل على ذلك بالتخلي عن مشغل الهواتف المغربي «وانا» لصالح مجموعة «زين» الكويتية ومنح ترخيص لمجموعة «أورانج» الفرنسية في تونس. وسجل التقرير أيضاً نمواً في قطاع الطاقة بنسبة 53 في المئة بسبب إطلاق مشاريع لتطوير الطاقة المتجددة، فيما تراجع الاستثمار في الصناعات المرتبطة بمصادر الطاقة التقليدية، وبخاصة الإسمنت والزجاج والورق.