لا أدري من أين أبدأ المأساة؟ التي نعيشها مع بعض المسلمين الغافلين الذين يهدمون مجد الأمة الإسلامية، ويضللون ويشتتون المسلمين، ويخسرون دنياهم وآخراهم ما بين أفكار عقولهم التي يزعمون أنها استجدت بمواكبة العصر الحديث وما يحويه من تطورات تستتبع المواكبة والتوفيق ما بينها وبين مبادئ الشريعة الإسلامية. وما أقصده هنا هو كثرة الفتاوى التي ظهرت في البلدان العربية، وما أخرجه هؤلاء من فتاوى، إذ يزعم لنفسه أنه من رجال الفكر أو الأدب، ولا يعلل عندهم شذوذ تلك الفتاوى سوى سند العقل والرغبة في الاحتيال على قواعد الشرع وتفكيرهم في الأمر من باب ربط فتواهم بمصلحة العامة وبما يواكب العصر. حقيقة الأمر أن المجتمع الإسلامي بحاجة كبيرة في هذه الأيام للمزيد من التمسك بكتاب الله وسنته، وأن يقف من الأمور الشرعية موقف الرهبة من الله عز وجل، وأن يترك زمام الأمر لأهله، وأن يخلع عنه مسؤولية إنكار قاعدة شرعية نص الله عليها كتاباً أو سنة، أو الإتيان باجتهادات تخالف الشريعة، وذلك حتى لا يصنف ملحداً ويطوى مع جمهور كبير من الملحدين قديماً وحديثاً. فالمجتمع الإسلامي بحاجة إلى الحذر الشديد عند إقدام أي شخص على الإفتاء فيجب أن يقف عند حدود الله ورسوله في فتواه، ويتورع فيها قولاً وفعلاً، مصداقاً لقوله تعالى (تلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبوُهَا)، وهي محارم نهى الله عز وجل عن قربانها وعن تعدي الحدود التي حددها لعباده، وهي بمثابة الفرض عليهم، وألزمهم بها من العبادات والأحكام. وهذا هو ما شرعه الله لعباده أمراً ونهياً ورأى في أحكامه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، كما يحتاج إلى الالتزام به يحتاج أيضاً إلى الاستقامة عليه قولاً وعملاً وصبراً، مصداقاً لقوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهه وَلاتَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). سورة الكهف، الآية: 28. والإسلام بما شرعه على المسلمين من اكتساب حقوق أو ترتيب إلتزامات إنما هو شرف ونعمة بما ألزم به وبما أكسبه للمسلمين من حقوق، ولكن هناك بعضاً من المسلمين، وللأسف من المثقفين والأدباء، يرون أن الإلزام الذي ألزمه الإسلام على المسلمين إما بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين، شاهدوا في ذلك أن الإسلام يقيد ويأخذ ولا يعطي وذلك تصور خاطئ في معتقداتهم. فالإسلام بإلزامه أيضاً يعطي، ففي إلزامه العطاء وفي منحه العطاء، ولا أرى في معتقدات من يدعون لأنفسهم أنهم أدباء أو مفكرون إسلاميون ويعارضون بفتواهم ما أمر الله به انتصاراً لقواعد استقرت في عقولهم سوى أنها وسوسة ترددت في أفئدة يصيبها الشك وتسطر بأقلامها من دون حياء ارتدادها عن الإسلام وكفرها بشرائعه. ونهاية لا سبيل أمام المسلمين إلا الاعتصام بحبل الله والتشبث بحقائق الشريعة الإسلامية وأحكامها، مصداقاً لقوله جل شأنه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) سورة الزخرف، الآيتان (43، 44). [email protected]