اوضاع مربكة تلك التي تعيشها العائلات العراقية في تهيئة الأجواء المناسبة لأولادها، ليتمكنوا من اكمال مراجعة المقررات الدراسية قبل موعد الامتحانات العامة التي ستبدأ نهاية الشهر الجاري، فالانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في المنازل الذي يتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق، فضلا عن شح المياه في المنازل، يتسببان في ارباك العائلات ودفعها للبحث عن وسائل بديلة لتتمكن من توفير الظروف الملائمة للدراسة. وتبدو الفتيات اكثر حرصاً وجدية في الانكباب على الدراسة واكمال المنهج من الفتيان الذين يحتاجون الى تشدد اكبر من العائلة للمواظبة على الدراسة. إلاّ أنهم اكثر حرية في ارتياد الأماكن العامة والمنتزهات عند انقطاع التيار الكهربائي. وتقول سمر التي تستعد لانهاء مقرراتها قبل امتحانات البكالوريا، انها تضطر في الكثير من الاحيان الى استشارة صديقتها عبر المحمول في المسائل الرياضية التي لا تتمكن من حلها بمفردها. وتضيف: «نتفق يومياً على ان ندرس اكثر من 15 ساعة، واتصل بها في ساعات متأخرة من الليل، وهي تفعل الأمر ذاته، كي نتجاوز الصعوبات. اما شقيقي فهو افضل حالا مني لأنه يقضي طوال ساعات الليل مع صديقه في منزل كبير ومكان مريح للدراسة». سمر تحسد شقيقها ايمن على الساعات الطويلة التي يقضيها في بعض الاماكن العامة مع مجموعة اخرى من اصدقائه للدراسة الجماعية وتتمنى لو كانت هناك اماكن مشابهة مغلقة للفتيات. وتلجأ غالبية الطلبة من الفتيان خلال ساعات انقطاع الكهرباء ليلاً، الى الدراسة تحت مصابيح اعمدة الكهرباء في الشوارع والمتنزهات ويفترش كثيرون منهم الارض للدراسة في اجواء يعتبرها بعضهم صعبة، ولكنهم يجدونها خرقاً مناسباً لروتين الدراسة بين جدران المنازل، فضلا عن كونها توفر أجواء للدراسة الجماعية مع الاصدقاء. حلقات الدرس في المنازل تتطلب من العائلة مجهوداً مضاعفاً يتمثل بتوفير انواع محددة ومشجعة من الاطعمة والحلويات والعصائر التي تدفعهم على المواظبة، بينما لا تحتاج مجاميع الدراسة في المتنزهات والشوارع سوى بعض النقود للشراء من الباعة الجوالين في الليل او من بعض المحال القريبة. ويؤكد لؤي ان مصابيح الشارع وفرت له فرصة لاكمال المقررات مرتين. وهو اليوم يراجع للمرة الثالثة قبل بدء الامتحانات بأسبوعين. ويقول: «لم اجد حلا آخر لإنهاء المناهج سوى تلك السهرات الصباحية التي اقضيها في الحدائق العامة، فهي تريحني نفسياً، وتخفف العبء عن عائلتي المتواضعة في امكاناتها، حتى انها لا تتمكن من توفير مولد كهرباء صغير يعينني على الدراسة». ويعترف بأنه يصحب معه مخدته الى الحديقة العامة وينام هناك بعدما تجهده الدراسة، قبل طلوع الفجر، ثم يعود الى المنزل في الصباح. والمضحك المبكي في استعداد الطلبة العراقيين للامتحانات هبوب العواصف الترابية على المدن، الأمر الذي يحرمهم من الجلوس في العراء لأيام، لاسيما اولئك الذين يعانون مشكلات في الجهاز التنفسي . وعلى رغم ان كثيرين من الطلبة درسوا المواد على يد مدرسين متخصصين خارج المدرسة، يبقى القلق معششاً في اذهانهم طوال ايام المراجعة، قبل الجلوس على كرسي الامتحان والاطلاع على الاسئلة . وتوجه العائلات العراقية اتهامات وانتقادات شديدة للمدارس الحكومية بأنها مكان للدوام اليومي وليس لشرح المادة، فالطلبة غالباً ما يشكون سلوك مدرس الحصة الذي لا يمنح المنهج حقه من الشرح، ولكنه يتحول الى عبقري في مادته في حصص الدروس الخصوصية. ويؤكد ابو أيسر الذي انهكت موازنته الدروس الخصوصية لاثنين من اولاده ان مستويات التدريس في المدارس الحكومية انخفضت بشل كبير، وان المدرسين في تلك المدارس يشرحون المواد العلمية بطريقة غير مفهومة لإجبار الطلبة على اخذ الدروس الخصوصية لديهم. ويضيف: «غالبية المدرسين تطالب التلاميذ في المدارس الحكومية بالدخول في مجموعات الدروس الخصوصية لفهم المواد، والعائلة هي من تدفع الثمن في النهاية».