لا حل مع الحكومة الاسرائيلية، وربما لا حل ممكناً مع الاسرائيليين، فالحل السلمي لن يأتي عبر حكومة فاشستية وشعب انتقل من الوسط واليسار الى أقصى اليمين المتطرف. أكتب صباح الثلثاء وأمامي ترجمات الصحف الاسرائيلية الى الانكليزية، وأجد انقطاعاً عن الواقع والعالم كما يعرفه الناس الآخرون. مع وجود قلة واعية تكتب بمنطق حتى ونحن نختلف سياسياً معها. من هذه القلة ناحوم بارنيا الذي كتب مقالاً في الصفحة الأولى من «يديعوت أخرونوت»، وهي أكثر الصحف الاسرائيلية توزيعاً، عنوانه «نريد زعيماً» يوبخ كاتبه بنيامين نتانياهو لأنه لم يتوقع ردود الفعل على مهاجمة أسطول السلام، ويقول إن الزعيم الحقيقي يقوم بالمبادرة، وبارنيا يقترح أن تأخذ هذه شكل دعم سيادة السلطة الوطنية في الصفة الغربية ورفع الحصار عن قطاع غزة، ويختتم بالقول: «الآن اسرائيل ليس فيها قائد أو قيادة». هناك آخرون يكتبون مثل بارنيا، خصوصاً في «هاآرتز»، ثم هناك كثيرون يرفضون أن يروا الحقيقة أو يقلبونها رأساً على عقب لتناسب ولاءهم أو تطرفهم. في «يديعوت أخرونوت» كتب اتيمار آيخنر عن حملة الضغط الدولية على اسرائيل، وهو يسجل بين الذين يطالبون نتانياهو بتشكيل لجنة تحقيق نائب الرئيس الأميركي، والرئيس الفرنسي، ورؤساء حكومات كندا واليونان وبلغاريا وجورجيا ومندوب الرباعية الى الشرق الأوسط. ويزيد الكاتب على هؤلاء وزير خارجية بريطانيا والأمين العام للأمم المتحدة. العالم كله يريد تحقيقاً، وما سبق لا يكفي أبداً لأنه يتحدث عن تحقيق تجريه الحكومة الاسرائيلية نفسها، ما يعني «لجنة فينوغراد» التي حققت في حرب صيف 2006 ولكن باسم آخر، وبتعمد التغطية على الانتهاكات الاسرائيلية. المطلوب هو تحقيق دولي مستقل. كان هناك خبر في «معاريف» عن الجندي الاسرائيلي الأسير في غزة جلعاد شاليت، فأسرته طلبت من منظمي أسطول السلام حمل رسالة الى الابن فرفضوا، ثم وجدت الأسرة أن الحصار على غزة سيخفف من دون مقابل عن ابنها. لا أدري إذا كان كاتب المقال عنصرياً متطرفاً أو مجرد جاهل، فهو يربط حصاراً على 1.5 مليون انسان يمنعهم من بناء ما هدم الاحتلال ويحرمهم الدواء وأحياناً الغذاء بقضية أسير واحد. هناك عشرة آلاف أسير فلسطيني في اسرائيل معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وقاصرون، إلا أننا لا نسمع من اسرائيل شيئاً عن هؤلاء وإنما نسمع كل يوم عن جندي واحد. هناك نازية واضحة في ربط مصير جندي واحد بالحصار على 1.5 مليون انسان، أو في جعله وحده أهم من عشرة آلاف سجين، بل هناك مزايدة على النازيين الذين كانوا يعتبرون الواحد منهم يساوي مئة من غير الجنس الآري، ولم أسمع أنهم ساووا الواحد بمليون ونصف مليون أو عشرة آلاف. أسوأ من كل ما سبق على العنصرية، مقصودة أو غير مقصودة، هو ما كتب أموس جلبوا (أو جلبوع أو جربوع) في «معاريف» تحت العنوان «جيش تدمير اسرائيل». هو قال إن رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير الدفاع وصفا أسطول السلام بأنه «هجوم النفاق»، وهذا خطأ في رأيه لأن اسرائيل تواجه حرباً منذ غزو لبنان سنة 2006 هدفها ازالة اسرائيل عن خريطة العالم، أو على الأقل سحب سيادتها. سأتجاوز المبالغة في هذا الزعم لأبقى مع الموضوع فالكاتب يكمل أن «الجيش» الذي يخوض الحرب على اسرائيل يضم حماس، وبعض عناصر السلطة الوطنية والمنظمات الاسلامية المتطرفة، ومنظمات ارهابية مختلفة، وبعض الميديا العالمية، مثل «الجزيرة»، ومنظمات يمينية ويسارية متطرفة، ومئات من جماعات حقوق الانسان والمنظمات الخيرية، ومؤسسات دولية غير حكومية، بعضها يعنى بالبيئة، واتحادات طلاب ومحاضرين في الجامعات الغربية، وناساً في اسرائيل مثل الشيخ رائد صلاح وحزب البلد، أي حزب عزمي بشارة. والقاعدة الرئيسية لهؤلاء جميعاً في انكلترا. النازية في ما سبق أن الكاتب يقول إن العالم ضد اسرائيل، ثم يرفض رأي العالم، كما يرفضون قرارات الأممالمتحدة ضد اسرائيل، لأنهم وضعوا أنفسهم فوق العالم كله. ويهبط المقال بعد ذلك من درك النازية الى بذاءة الشارع وهو ينتقد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان لمهاجمته قتل دعاة السلام الأتراك، فهذا في نظر الكاتب رياء لأن تركيا قتلت 37 ألف كردي ودمرت 2500 قرية لهم. حتى إذا تجاوزنا مدى دقة الأرقام فهو يقول إن قتل الأكراد يبرر قتل نشطين من أجل السلام في المياه الدولية. وهو لا بد يملك تفسيراً لقتل خمسة آلاف فلسطيني معظمهم من المدنيين منذ 29/9/2000، وبينهم 1500 قاصر. إلا أنني أرجح أن تفسيره لن يقول إن اسرائيل دولة فاشستية نزعت حكومتها المتطرفة شرعيتها بيديها. [email protected]