يشهد تنظيم «أسطول الحرية»، وقدرة المنظمين على تعبئة ديبلوماسيين وإعلاميين ومتظاهرين في أنحاء العالم حال الهجوم الإسرائيلي على الأسطول، على بروز أدوار جديدة في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وعلى المسرح الدولي والإقليمي والمحلي. والأسطول مظهر أول من مظاهر انخراط مدني ودولي، ومقبول، تتولاه منظمات غير حكومية إسلامية من غير مواربة ولا تستر. وهذا من ثمرات تبلور مجتمعات مدنية في عدد من الدول الإسلامية، في الأعوام الأخيرة، تتخطى مهماتها الإنسانية حدودها الوطنية. وتضافرت جهود المنظمات هذه على إنشاء شبكات مشتركة وواسعة، على رغم ضعف انخراطها في الإطار الدولي الأوسع والأعرض. و «حركة غزة حرة»، وهي تولت تنسيق الأسطول، أشرفت على تنظيمها هيئات سبق لها أن اضطلعت بأدوار مؤثرة في التعبئة الفلسطينية، ومن «عائلة» يسارية غربية عموماً. وتسهم المنظمة التركية «إنسان يارديم وقفي» (مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية)، الى منظمات أخرى، في تمويل مبادرات إنسانية، وفي الإعداد لها والقيام بها، بشطر راجح. وقادتها مبادراتها الأولى، في 1992، الى البوسنة. وأظهرت فاعلية لا تنكر في أعمال الإغاثة من زلزال اسطنبول في 1999. وهي جزء من «ائتلاف الخير»، وهو يضم نحو 50 منظمة غير حكومية اسلامية تنسق المساعدات الى فلسطين ويرئسها الشيخ النافذ يوسف القرضاوي، عَلَم الإخوان المسلمين الإصلاحيين. ولا ريب في أن سياسة حكومة أنقرة، غداة مهاجمة الأسطول، قرينة أخرى على انخراط تركيا المتعاظم في شؤون الشرق الأدنى (والأوسط). وتوجهت السياسة التركية الى بناء قاعدة نفوذ إقليمي شرق أوسطي غداة غلق الاتحاد الأوروبي باب انضمام تركيا اليه. وفي اطار ضعف كتلة الدول العربية المنحازة الى السياسة الأميركية، وتفاقم خلافاتها واستنفاد أنظمتها، وسع تركيا الاستقواء بعضويتها في حلف «الأطلسي» والاستظهار بروابط سلطتها التنفيذية بالتيارات الإسلامية، وبازدهار اقتصادي نسبي. وهي انما تستأنف ماضياً عثمانياً منصرماً، وتوازن منافسها الإيراني منافسة خفية. ويقلق تردي علاقات تركيا بإسرائيل منذ الهجوم على غزة شتاء 2008، واشتراكها في أيار (مايو) المنصرم مع البرازيل في مسعى لمعالجة الملف النووي سلمياً، المعسكر القريب من السياسة الأميركية. ومشاركة فلسطينيين من عرب اسرائيل، أو عرب 1948، في «أسطول الحرية» قرينة أخرى على مدهم الجسور مع الشعب الفلسطيني كله. وكانوا، طوال عقود، على هامش حركة معظم الفلسطينيين وكتلتهم الغالبة، ومحل اشتباه هؤلاء في تعاونهم مع الدولة العبرية، وهم، أنفسهم، صرفوا مطالبهم السياسية، بعد أن سرى عليهم قانون الطوارئ طوال 20 عاماً، الى تحصيل حقوق تساويهم بمواطني الدولة اليهودية. وفي الأثناء، ضمرت قدرة منظمة التحرير الفلسطينية ثم السلطة الفلسطينية على التعبئة. وكانت تعبئة الحركة الإسلامية الفلسطينية، في تسعينات القرن الماضي، تحت لواء الدفاع عن الأماكن المقدسة، خطوة أولى على طريق ملاقاة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. والدفاع عن الحقوق الإنسانية البدهية لأهالي غزة مرحلة جديدة على طريق تعبئة وطنية لا تقتصر على الوجه المدني. ووسع الجماعات الناشئة تقويم أركان الاستراتيجية الأميركية القسرية في فلسطين والمنطقة، في ضوء الهجوم على أسطول المساعدات. وتتصل الجماعات هذه بتراث جمعية الإخوان المسلمين السياسي والأيديولوجي، وتتولى، اليوم، جلاء تضامن المسلمين وتكاتفهم في حلة جديدة، خارج الإطار الرسمي المنتخب والإطار «الجهادي» العالمي. * باحث في المركز الوطني للبحوث العلمية، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 7/6/2010، إعداد وضاح شرارة