القضية قضية وعي وتربية ومعنى حقيقي لكلمة مسؤولية وعنف مبطّن أيضاً تجاه مجتمع بمؤسساته المختلفة يبذل جهداً غير عادي في تقديم الخدمات ويتقبل برحابة صدر في معظم الأوقات بعض الانتقادات. قبل شهور عدة استمعت على «اليوتيوب» الشهير إلى محادثة بين مسؤول في قسم الشرطة وبعض الفتيات وأذهلني ما سمعت، كان البلاغ عبارة عن شكوى من خادمة بأنها تتعرض للعنف من كفيلها وتطلب مساعدة الشرطة، وللأمانة المهنية والصحافية والإنسانية أقول إن الرجل تعامل مع البلاغ بكل احترافية، حاول تهدئة الخادمة المزعومة، وحاول تقديم بعض الحلول بجدية، وانتهت المكالمة بضحكات مستهترة لأن الفتيات كنّ يقلدن لغة خادمة إندونيسية ويحاولن تخفيف دمهن (الثقيل) ببلاغ كاذب! نسيت الموضوع بأكمله على رغم الإشارة الدلالية التي احتفظت بها داخلي ومع احتفاظي بالموقع للرجوع إليه إذا تطلب الأمر أو لاحت في الأفق سلوكيات مشابهة، وعندما قرأت خبر استنفار فرق الهلال الأحمر إثر تلقيها بلاغاً كاذباً من أحد الأشخاص غير المسؤولين عن وجود مصابين في منطقة القرشيات بينهن امرأة حامل تصارع الموت على الطرقات واكتشاف أن البلاغ الذي تلقاه مسؤولو الهلال الأحمر مرات عدة ومن الشخص نفسه (كاذب) ووصل لهم عن طريق شريحة مضروبة كالتي تنتشر في الأسواق بشدة منذ فترة طويلة، تذكرت الموقف «اليوتيوبي» وقضية الوعي المجتمعي الذي ينقص الكثير في مجتمعنا. أعود لقضية الشرائح المضروبة التي تتوافر من دون إثبات هوية ولا مستند رسمي يمكّن السلطات من تتبعها والتعرف على أصحابها وكيف أنها استخدمت بكثرة في عمليات الابتزاز والتهديد، وأخيراً في موضوع البلاغات الكاذبة التي تعطل جهود مؤسسة كبيرة برزت بشدة في الآونة الأخيرة وأصبحت تدل دلالة واضحة على سرعة الإنجاز وكفاءته أيضاً على رغم ما تعانيه من ثقافة التجمهر وغياب العناوين وعدم وضوحها أيضاً. استنفار الأجهزة الأمنية أو الخدمية كالهلال الأحمر والدفاع المدني والشرطة أيضاً ببلاغات كاذبة «يدل على غياب الوعي المجتمعي بأهمية الوقت والسرعة والمسؤولية»، وسلوك كهذا ترصد له في الدول المتقدمة عقوبات مشددة لا تقبل الواسطات ولا التهاون، لأنه يضيع الجهود بلا طائل ولا سبب منطقي. بقي شيء واحد يجب أن نلتفت إليه وهو وجوب بحث عن حل جذري لمثل هذه الشرائح المضروبة التي لا يستدل على أصحابها! وضرورة تمكين المواطنات والمواطنين والمقيمين والمقيمات من الحصول على شرائح رسمية وهواتف بأسماء أصحابها أنفسهم، ليكون كل فرد يعيش في هذا المجتمع مسؤولاً عن هاتفه الثابت وجواله، ليسهل التوصل إلى الشخص المطلوب بسهولة ويسر، مع بحث وسيلة للتبليغ عن الشرائح المسروقة أو المفقودة لإخلاء المسؤولية الأمنية والمجتمعية، وحتى لا تستغل الأرقام بصورة مسيئة وبصورة تضرّ صاحبها الأصلي المثبت اسمه في الأوراق الرسمية. في أحد مستشفيات مكة تم اكتشاف موظفة تقوم بتصوير أوراق ثبوتية لمريضات في المستشفى التي تعمل بها حتى تتمكن من استخراج شرائح رسمية بأسمائهن، ولا أعلم ما العقوبة المناسبة لها والتي أرجو أن تكون مناسبة لخيانة الأمانة المهنية والأخلاقية، لأن الصحف تكتب الأخبار سريعاً ولا تكملها بإعلان العقوبات، وهذا ما يجعلها في بعض الأحيان عديمة الفائدة. والدليل تكرار السلوكيات المرفوضة نفسها، والمفترض أن يتم الإعلان عنها بكل الوسائل المعنية حتى يفهم الجميع (مواطنون ومقيمون) أن مجتمعنا يرفض هذه السلوكيات ولا يقبل بها لما تتضمنه من مخاطر جمة. وللحديث بقية عن ضرورة إرساء دعائم الوعي والأخلاق الحقيقية وتعليم المسؤولية المجتمعية منذ الطفولة المبكرة في رياض الأطفال والمدارس. [email protected]