أطلق اسم «الثورة المخملية» على الحراك الشعبي السلمي الذي أطاح عام 1989 بالنظام الشمولي في تشيكوسلوفاكيا، وجاء بزعيم المعارضة، فاتسلاف هافل، رئيساً لها. لقد كانت طبيعة النظام الشمولي وآليات عمله وما خلفه من خوف وتخريب وتشويه لدى التشيخيين، هي الدوافع التي جعلت هافل ينظر للمعارضة السلمية المدنية، ويدعو الى ممارسة أشكال الاحتجاج البسيطة. ولأن النظام الشمولي يطبع بطابعه كل المجتمع ويترك بصماته في كل مساماته، ولديه من القوة ما يمكنه من البطش بأي معارضة عنيفة له، فقد رأى هافل أن تفكيك ذلك النظام يجب أن يبدأ من كل زاوية. فبحسب هافل، المهم أن تأتي الفعاليات والنشاطات (إقامة ندوة أو أمسية شعرية، عرض مسرحية، كتابة مقال، رفض تعليق شعار للنظام، تشكيل مؤسسات مهنية ونقابية بديلة...إلخ) في سياق رفض الانصياع لما يريده النظام، والجرأة في قول الحقيقة. فالجهر بأن «الإمبراطور عار» تهز النظام الشمولي لأن الإمبراطور هو بالفعل عار. يقول هافل في مقال كتبه عام 1979 بعنوان «سلطة من لا سلطة لهم»: «فالنظام ما بعد الشمولي، مع ذلك، ليس تجلياً لخط سياسي تتمخض عنه حكومة من نوع خاص. إنه شيء مختلف اختلافاً جذرياً: إنه انتهاك المجتمع على نحو معقد وعميق وطويل الأجل، بل إنه انتهاك المجتمع لذاته. أما معارضته فقط من خلال تأسيس خط سياسي مختلف، من ثم الكفاح من أجل تغيير في الحكم، فلن يكون أمر غير واقعي فحسب، بل سيكون غير مناسب على الإطلاق، لأنه لن يقترب أبداً من ملامسة جذور المشكلة. فمنذ حين من الزمان لم تعد المشكلة كامنة في خط سياسي أو برنامج، إنها مشكلة الحياة ذاتها». أما عن أسباب رفض هافل من حيث المبدأ، لفكرة الثورة العنيفة، فيوضحها قوله في النص نفسه آنف الذكر: «سيكون المستقبل موصوماً على نحو مميت بالوسيلة ذاتها التي استخدمت لتأمينه». وكان يعتبر العنف وسيلة أقل راديكالية. لأن من يطرحونها، لن يجدوا في ظل النظام الشمولي مؤيدين لهم، الأمر الذي سيصيبهم بالإحباط والانعزال والسلبية. وهو ما يريده النظام الشمولي. ولأنه كان يرى أن حصول تغيرات نوعية على صعيد النظام الشمولي أي تغيره أو تغييره يرتبط بتفاعل العوامل الداخلية والخارجية. فقد دعا المعارضة إلى عدم الانشغال بتوقعات بعيدة المدى، وألا تدخل في تكتيكات كلاسيكية. فهي معنية بالصراع اليومي البسيط، الحقيقي والملموس، وفي سياق مواقف محددة، والذي يعبر عن مصلحة الناس المباشرة، من أجل الحياة الحرة ومن أجل الكرامة. وهو نضال جذاب للناس لأنه لا يفرض عليهم قيوداً معينة ويبتعد عن التكتيكات والأوهام. والحقيقة أن حضور العامل الخارجي (انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان له السطوة على الأطراف، أي دول أوروبا الشرقية) لم يكن مخالفاً لتوقعات هافل بل كان له دور حاسم بالتسريع بإحداث التغيير. بناء على ما سبق، هل تصح مقارنة تجربة المعارضة التشيخية بالأمس، بتجربة المعارضة الإيرانية اليوم؟ إن مراقبة ما يجري في إيران تشير إلى أن آليات عمل المعارضة تشبه، من حيث طبيعتها، تلك التي تحدث هافل عنها، حيث تصر المعارضة الإيرانية على المواجهة السلمية التي تعددت أشكالها (الانخراط بقوة في انتخابات الرئاسة السابقة، رفض نتائج الانتخابات، التصريحات الجريئة لقادة المعارضة، التظاهرات الشعبية الحاشدة وطبيعة الشعارات التي ترفعها، تعدد منابر المعارضة كالصحف ومواقع الانترنت، التكبير من على أسطح المنازل، مقاطعة الطلاب للامتحانات، استقالات للعاملين في السلك الديبلوماسي...إلخ). كما أن المقارنة بين قوة معارضة الشعب الإيراني اليوم، وقوة معارضة الشعب التشيكوسلوفاكي بالأمس، تبين رجحان كفة الأولى. فالاستقطاب الحاد، وقوة الحراك في المجتمع الإيراني اليوم، أكبر بكثير مما كان عليه الحال في تشيكوسلوفاكيا قبل «الثورة المخملية». لقد نجح الشعب الإيراني في تحويل الشارات الخضراء إلى رموز جمعية تعبر عن توق الشعب للتغيير والتخلص من النظام القائم، وتمكن من كسر حاجز الخوف وتجاوز تابو (محرّم) المؤسسات الدينية ورموزها الحاليين، وهو ما يثير الإعجاب بجرأة جماهير الحركة الاحتجاجية، ويدعو للانحياز لمطالبها بالديموقراطية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان. اليوم، وبعد مرور عام على الانتخابات الاشكالية التي توجت أحمدي نجاد رئيساً لإيران، وبعد ما شهدناه، من أحداث ساخنة، تخللها سقوط قتلى وجرحى، واعتقال المئات، وتعذيبهم، وفي ظل إصرار المعارضة على التظاهر والاحتجاج، وبعد الخطبة شديدة اللهجة، وما حملته في طياتها من تهديد ووعيد، التي ألقاها المرشد الأعلى أخيراً في ذكرى رحيل الخميني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ما يجري في إيران هو بالفعل ثورة مخملية؟ وإلى أي حد يصح القول، إن خاتمي وموسوي وكروبي، هم «هافليوها»؟ * كاتب فلسطيني