تعج مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام وبأشكالها وطرق التعاطي معها كافة بالثرثرة. يطرح الجمهور من خلالها كل ما يدور في ذهنه من أفكار، وكل ما يؤمن به أو ما يعانيه المجتمع من مشكلات، فكل ما يتطلبه الأمر مجموعة من المفردات المرصوصة والمرصوفة والتي سترسم بدورها الفصل الأول من مسرحية الثرثرة. ويعتلي القائمة - بحسب الأرقام والمتابعات - موقع «تويتر» الذي يعد منبراً جامعاً لكل شرائح المجتمع، ويسمح للجميع بالمشاركة في طرح المواضيع المتعلقة بالحياة أو ما هو أبعد من ذلك. صحيح أن عدد الأحرف محدود في «تويتر»، غير أن النقص يعوض بالكم الهائل من الرواد، ويرفع النسبة ليتجاوز غريمه التقليدي «فيسبوك» الذي يعاني في الوقت الراهن مشكلات عدة، لكن «فيسبوك» أيضاً يقع في مطب «الثرثرة»، إذ يلاحظ أن كثيراً من الأطروحات «الثرثرية» فيه لا تقرأ. لعل أهم عوامل الثرثرة عند الأشخاص المتفاعلين على المواقع المذكورة هو السعي وراء كل أمر غامض أو ممنوع النقاش فيه، لمحاولة كشف أسراره، فتصبح الأسئلة كثيرة والإجابات أكثر بأضعاف. ومن أسبابها أيضاً أن بعضهم يستهويه سرد تفاصيل حياته ليحظى باهتمام متابعيه. يرى أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله الغذامي أن «تويتر» أصبح «منبراً لاكتساب الحقوق والمطالبة بها»، مستشهداً بحال نوال الهوساوي: «لولا أنها لم تواجه من قذفها لما عرفها أحد، فقد أصبحت بطلة ثقافية، وما إن فتح الباب أمام المطالبة بحقوق الأفراد في المجتمع، حتى أصبحنا أمام معركة كلامية لا تنتهي». في الجانب الآخر يكشف «يوتيوب» عن هويته بضم قنوات مختصة عدة ب«الثرثرة المرئية»التي تنافس وبقوة شقيقتها «الكتابية»، إلا أن الأخيرة تتفوق عليها من الجانب الفردي. ويتصدر الجنس الذكوري المشهد في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، مثبتاً أن المرأة ليست أكثر ثرثرة من الرجل، على ما يؤكده فريق من الباحثين في جامعة تكساس وأريزونا، نشرت نتائج أعماله في مجلة «ساينس». ووفق الفريق، فإن المرأة تتفوه بحوالى 16215 كلمة في اليوم في مقابل 15669 كلمة يتفوّه بها الرجل، أي أن الفارق بسيط بينهما، ولا يزيد على 546 كلمة. هذه الأرقام بعيدة كل البعد عن الادعاءات الذكورية بأن المرأة تتفوّه ب20 ألف كلمة في اليوم في مقابل 7 آلاف كلمة فقط للرجل. ودرس الباحثون بواسطة مسجلات رقمية الاستخدام اليومي للكلمات من نحو400 طالب ضمن مجموعات متساوية من الرجال والنساء، وخلصوا إلى أن الرجال أكثر ثرثرة من النساء، ومن المرجح غالباً أن يحاول الرجال السيطرة على أي محادثة يشتركون فيها. يضيف الفريق البحثي أن الرجال كانوا أكثر ثرثرة في أحوال عدة، كما يفعلون مثلاً عندما يتحدثون إلى مجموعات من الناس، أو إلى زوجاتهم أو أصدقائهم أو الغرباء، وفي المقابل فإن النساء «يدردشن» أكثر عندما يتحدثن إلى صديقاتهن أو أطفالهن، وهذا بالطبع لن يكون الأبرز عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول الاختصاصية النفسية في عيادة «ميدكير» منيرة القحطاني: «في الوضع الراهن ونظراً للتقدم التكنولوجي وظهور شبكات التواصل الاجتماعي بشكل متزايد وسهولة التعامل معها وانتشارها وكونها أصبحت لغة الحوار الأولى، ضعفت روابط العلاقة الاجتماعية، وسببت انتشار ظاهرة العزلة الاجتماعية»، وتضيف أن «الثرثرة الكتابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي سبب رئيس في انخفاض الثقة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، لما يجده البعض من سهولة في طرق التواصل عبر هذه الوسائل، وأقل استخداماً لمهارات التعامل مع الآخرين». وتشير إلى أن «مثل هذه الممارسة الثرثرية بشكل مستمر تعرض المستخدم للاكتئاب بسبب كثرة اللجوء إلى الحوار الكتابي، والتقوقع داخل زحام العالم الافتراضي، ناهيك من أن انعدام حرية الرأي في بعض مجتمعاتنا، وعدم تقبل اختلاف الآراء، يجعلان البعض يفضل الدردشة الكتابية بانتقائه الأشخاص في عالمه الافتراضي». وتؤكد القحطاني أن «الثرثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بسمات الشخصية وأنماطها بالدرجة الأولى، وليس لنوع الجنس أي ارتباط بذلك، على رغم أن الإناث قد تتزايد النسبة لديهن بحكم سيكيولوجية المرأة وقدرتها على الحديث والعمل في آن»، موضحة أن «هذه السلوكيات لها أثر كبير في الأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية والانحرافات السلوكية، وتسبب أيضاً أمراضاً عضوية مثل الأعصاب والصرع».