عقد ونصف العقد هو عمر خدمة الإنترنت في العالم العربي، شرائح من المتعاملين مع التقنية وجدوا أنفسهم أمام عالم جديد بإمكانه أن يحتوي أفكارهم، ويبثها من دون رقيب. الإسلاميون كانوا من أوائل المتعاملين مع الإنترنت، وتحمل عناوين المواقع العربية الشهيرة أسماء لمواقع إسلامية كانت علامة فارقة في بث الخطاب الديني بكل أنواعه وأطيافه المتنوعة، بل إن الخطاب الإعلامي بالنسبة لهم بدأ من الإنترنت قبل الدخول إلى عالم الفضائيات الإسلامية. وبوصفه موقعاً للتواصل الاجتماعي، أتاح «فيسبوك» فرصة نادرة للتواصل بشتى الطرق، كتابياً وصوتياً ومرئياً، وأفاد منه شبان الثورة في مصر وتونس قبل بداية الثورة، حينما حشدوا صفحات تطالب بالتغيير وتنادي بالتظاهر والتجمع وفق مواقيت معينة، بل إنه وثق لحقبة مهمة رصدت جرائم وفظائع ارتكبتها بعض الأنظمة بحق مواطنين، ما أجج المطالبة بالتظاهر والعصيان المدني، تعبيراً عن الاحتجاج ورفضاً لممارسات لم تكن لتوثق لولا أن التنقية كانت حليفهم طوال الخط. من «فيسبوك» و«تويتر» انقدحت شرارة الثورة، ففي هذه العوالم الافتراضية تم تنظيم كل شيء، وكان الخطاب الشبابي واضح المطالب بالتغيير والحرية والعدالة، كان هذا الخطاب أكثر إغراءً للشبان من خطابات الجماعات الإسلامية والليبرالية المعارضة على مدى عقود طويلة، لم تجد نفعاً في حشد الشارع والتأجيج للتغيير. ثمة من يعتقد أن الإسلاميين لم يقدروا «فيسبوك» حق قدره، ولم يتعاملوا معه وفق لغة العصر، فمجمل ما تحتويه صفحاتهم على هذا الموقع هي تكرار لذات الخطاب الذي يملأ الفضائيات والمنابر والمنتديات، ولم يعد ليستوعب الفكر الجديد للشبان الرافضين للأدلجة والخطابات الموجهة. بل إن هناك من يرى أن تعاملهم مع الإنترنت كان بمنطق الخصوصية نفسه، فهم يجرون عمليات «فلترة» مثلاً للصور لحذف النساء، ويدخلون في تفاصيل الحلال والحرام في قضايا لا تحتمل التجزئة والخوض في تفاصيل تستغرق وقتاً طويلاً من الخلاف، وبتنوع أطيافهم ومعاداتهم للتيارات الأخرى نقلوا إشكالاتهم إلى ساحة أكثر تعقيداً. يبرر الداعية الإسلامي الدكتور إبراهيم الحارثي تراخي الإسلاميين، وعدم قدرتهم على مجاراة اللغة الجديدة بأن الفرق هنا هو أن مطالب الشبان كانت مطالب عامة، بينما لو استغل الإسلاميون هذه المواقع لربما خلقوا نوعاً من التوجس والريبة منهم لدى الجهات الرسمية. ويقر الحارثي بأن الإسلاميين لم يتعاملوا باللغة ذاتها التي فهمها الشبان وطوعوها من خلال هذه التقنية، «لكن هناك جزءاً من الناشطين عبر «فيسبوك» هم شبان ينتمون لتيارات إسلامية، لكن الواضح في النهاية أن الشبان الذين لا يمتلكون فكراً أيديولوجياً فهموا لغة التنقية أكثر بكثير من غيرهم، واستطاعوا أن يستفيدوا منها».