في الأسبوع الماضي كان آرت دبي مثل شمعة مضيئة تتراقص خيوط أشعتها على جنبات لوحة تشكيلية تتوق إلى بصيص من النور، بليالٍ تكتنفها عتمة الظلام. كانت كل ما في آرت دبي يتباهى بالفكر والإبداع، وتتفلسف تنوع تقنياته، يقول كل عمل فني يعرض في المعرض، ها أنا هنا يحتفي بي المكان لكي أحفظ تاريخه بين دهاليز السنين؛ إنه من المثير للاستغراب حين أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي - Twitter Facebook - أن أجد السواد الأعظم من مرتاديها أصبحوا مثاليين ومثقفين إلى درجة أنني أصاب بحالة من الحول الذهني.! مما أقرأه فسبحان مغير الأحول!. ما أقرأه ما هو إلا مزيج بين حالتي الثرثرة والازدواجية التي وجدتها لدى هؤلاء. التويتريون يثرثرون بتغريداتهم الأفلاطونية فهم يكتبون شيئا وفي واقع حياتهم أشياء تخالف ما يكتبون فهذا المتثرثر يحاول أن يصبغ نفسه بألوان لا يعرف معناها ولا قيمتها فتارة يتكلم في السياسة والجامعة العربية وبعد لحظة بل برهة من الوقت يغرد بنا عن الرومانسية وقبل هذا وذاك كان يكتب عن حيض النساء وفي المساء يقول لنا إنه متكئ على أريكة حمراء ومن كانت حاله كهذا فهو يستحق الرثاء لأنه مثير للشفقة والاشمئزاز في آن واحد وهذا لا يليق بمن يصف نفسه بأنه «فنان أو من رواد الحركة»..!! ليس كل من يغرد ذا فهم وعمق ثقافي فالمسألة هنا ليست بالنسخ واللصق والثرثرة لو كان كذلك لكانت آلة التصوير copy أكثر ثقافة وفهما من المغردين أنفسهم فالعمق المعرفي الأيديولوجي هو المحرك لعقل المثقف فيكتب بخلفية معرفية ذات بعد استنتاجي وبالتالي تكون تغريداته ذات فائدة للمتابعين لكتاباته. وهذه الظاهرة إن جاز التعبير تحيلنا إلى التمعن فيها والبحث عنها فقد وجدت مؤخرا دراسة حديثة أجرتها مؤسسة بحثية أمريكية، تفيد أن 40% من التغريدات التي تبث على موقع Twitter للتواصل الاجتماعي، هي عبارة عن «ثرثرة خالية من المعنى» وباقي ال 60% في المائة كانت موزعة بين الحوارات بين الأفراد والدعاية والإعلان وتناقل الأخبار وتبادل المعلومات ذات التخصص وهذه الدراسة تثبت بلا شك ما ذهبت إليه من وصف التغريدات الفارغة بالثرثرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع وعليه فلا بد أن نعي مدى مصداقية المغرد وجديته بما يطرح فليس كل ما يطرح صحيح وينطبق على صاحبه فالإنترنت واقع افتراضي قابل بأن لا يكون واقعياً بنسبة عالية. الشاهد هنا أن المثرثرين -عفوًا- أقصد المغردين لا بد أن يعطوا أنفسهم فسحة للتأمل والتفكير قبل البدء بأي تغريدة فهناك أناس يقرؤون ما وراء الكلمات ومنها يفهمون ما يقصده هذا المغرد ومن يكون؟ وماهي الانبعاجات الفسيولوجية لديه..!! قيل قديما: (قل لي لمن تقرأ أقل لك من أنت), وفي عصرنا الحاضر أقول لك: اكتب تغريداتك أقل لك من أنت..!!