أعلن الصحافي التركي المخضرم جنكيز شاندار، اعتزاله وتركه «صاحبة الجلالة بعد خدمة دامت أربعين سنة». وشاندار ذو التوجّه اليساري الليبرالي، من أشهر الصحافيين الأتراك، بسبب علاقته الشخصية مع الرئيس الراحل تورغوت أوزال، ونشاطه ضد الحكم العسكري وانقلاباته، ومشاركته اليسار الفلسطيني الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي وقربه من الرئيس الراحل ياسر عرفات، إضافة إلى دوره الخاص في القضية الكردية، من خلال علاقته بعبدالله أوجلان والزعيمين الكرديَّين العراقيّين مسعود البارزاني وجلال الطالباني، ناهيك عن علاقاته القوية مع الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. ويشبّه بعضهم شاندار ب «محمد حسنين هيكل تركيا»، بسبب عمله مستشاراً لأوزال، الذي فتح له قلبه وأسراره، وجعله وسيطاً في القضية الكردية مع أوجلان، وبسبب نشر مقالاته باللغتين الإنكليزية والتركية، في صحف ومواقع إخبارية عالمية. وشاندار نموذج لليساريين المتشددين الذين عايشوا ثورة 1969، ثم انتهى بهم الأمر ليبراليين متصالحين مع الولاياتالمتحدة والرأسمالية الغربية. فبعدما نفاه العسكر إثر انقلاب 1971، قاتل شاندار في صفوف «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ضد إسرائيل، وعاش فترة في لبنان، تعلّم خلالها العربية وتعرّف إلى قادة فلسطينيين، وكان مقرباً من عرفات، إذ لم تنقطع زياراته له حتى تحت الحصار. ثم عاد شاندار إلى تركيا، حيث عمِل مستشاراً لأوزال، وتعاون معه مباشرة لتسوية القضية الكردية، إذ ذهب وسيطاً إلى أوجلان في سورية، ولو بصفة غير رسمية. ويُحسب لشاندار دراسته القيّمة «الحل الكردي السلمي وكيفية إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح»، التي كتبها بعد دراسة دامت أشهراً واعتُبرت «خريطة طريق» مقبولة من الجميع لحلّ القضية. وعلى رغم دعمه القوي للقضية الفلسطينية، كوّن شاندار صداقات مع ساسة من اليسار الإسرائيلي، وكان أفضل من حلّل وفسّر «الانقلاب المعاصر» الذي أطاح رئيس الوزراء نجم الدين أربكان عام 1997، وأدخل مصطلحات جديدة كثيرة إلى عالم السياسة والصحافة. وكان شاندار من أبرز منتقدي تيار الإسلام السياسي، خصوصاً الرئيس رجب طيب أردوغان بعد تسلّمه الحكم عام 2002، وكتب مقالات شكّك فيها ب «توجهاته الإسلامية». لكن الإصلاحات التي أجراها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وتوجّهه نحو الاتحاد الأوروبي ومصالحته دول الجوار، دفعت شاندار إلى تغيير موقفه من الحزب، إذ بات من أبرز مؤيديه. ولم تلبث هذه العلاقة إلا أن تراجعت بقوة، بعدما انتقد شاندار سياسات أردوغان في شأن «الربيع العربي»، خصوصاً أزمتَي سورية ومصر، فرفع الرئيس التركي ضده 7 قضايا سبّ وقذف، بسبب مقالات نقدية في السنتين الأخيرتين. وبدأت محاكمة شاندار في إسطنبول أمس، لكنها أُجِّلت الى 31 أيار (مايو) المقبل. وعلى رغم اعتزال شاندار الصحافة، يبدو أن تبعات ما كتبه حول أردوغان ستلاحقه لسنوات. في غضون ذلك (أ ب، أ ف ب)، اعتقلت السلطات التركية امرأة من «الكردستاني» يُشتبه في تخطيطها لتفجير انتحاري، فيما حض السفير الأميركي في أنقرة جون باس الحزب على إلقاء السلاح وإنهاء العنف.