ظهرت سريعاً آثار الزلزال الذي أحدثته فضيحة «أوراق بنما» المرتبطة بتسريب 11.5 مليون وثيقة من مكتب محاماة «موساك فونسيكا» في بنما والتي كشفت تورط مسؤولين سياسيين كبار في العالم ومشاهير من عالم المال والفن والرياضة في عمليات تهرب ضريبي. وفتحت دول بينها فرنسا وإسبانيا وأستراليا ونيوزيلندا والنمسا والسويد وهولندا تحقيقات في عمليات تبييض أموال، وفرضت الصين قيوداً على الأخبار في ظل تسريبات عن تورط مقربين من الرئيس الصيني شي جينبينغ في تهريب أموال إلى الخارج. كما نددت روسيا بالتسريبات التي لمحت إلى تورط مقربين من رئيسها فلاديمير بوتين، وتظاهر آلاف الإيسلنديين في ريكيافيك للمطالبة باستقالة رئيس الحكومة ديفيد سيغموندور غونلوغسون الذي ورد اسمه في لائحة الفضيحة. وفتح القضاء البنمي تحقيقاً في الوقائع التي نتجت من تحقيق أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ومقره الولاياتالمتحدة، بهدف إظهار إذا كانت تنطوي على مخالفات قانونية وتحديد مرتكبيها واحتمال إلحاقها أضراراً مالية. وكشفت «أوراق بنما» أن رئيس الحكومة الإيسلندية ديفيد سيغموندور غونلوغسون أسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية لإخفاء ملايين الدولارات. وهو رفض الاستقالة على رغم نزول آلاف الأشخاص إلى الشارع، وطالب الرئيس بمنحه إذناً لحل البرلمان، وهو ما رفضه. ولم ينفِ الرئيس بيترو بوروشينكو امتلاكه حسابات في الجزر العذراء، لكنه أكد أنه يحترم القانون بحرفيته، قبل أن يعلن جهاز الخدمة المالية في أوكرانيا أنه سيفحص الوثائق المرتبطة بأصول بوروشينكو في الخارج. في بريطانيا يتعرض رئيس الوزراء ديفيد كامرون لضغوط لكشف ثروة عائلته، بعدما ورد اسم والده الراحل إيان كامرون بين المستفيدين من الجنّات الضريبية. لكن ناطقاً حكومياً أكد أن «رئيس الوزراء لا علاقة له بأي أموال أوفشور»، علماً أنه ينتقد التهرب الضريبي علناً. وفي الأرجنتين، أكد الرئيس ماوريسيو ماكري بعد كشف «أوراق بنما» أنه كان مديراً لشركة مقرها في جزر الباهاماس وأن كل ما نفذه كان قانونياً، ولم يرتكب أي مخالفة. وفي باكستان، نفت عائلة رئيس الوزراء نواز شريف تنفيذ أي عمل غير شرعي من خلال علاقة ابنته مريم وابنه حسين بشركات معاملات خارجية. روسياوالصين وفي رد شديد اللهجة استهدف الولاياتالمتحدة، أعلنت موسكو أن التحقيق أجراه عناصر سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ومسؤولون سابقون في وزارة الخارجية الأميركية، و»هدفه زعزعة صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واستقرار روسيا»، علماً أن الوثائق كشفت شبكة من صفقات سرية لمعاملات خارجية وقروض بقيمة بليوني دولار تقود إلى أصدقاء مقربين من بوتين، بينهم عازف التشيلو سيرغي رولدوغين. وفيما يملك مكتب محاماة «موساك فونسيكا» مكاتب في 8 مدن صينية، والذي يفوق أي بلد آخر، التزمت بكين الصمت وقال الناطق باسم وزارة الخارجية هونغ لي: «لا أساس لهذه الاتهامات، ولا تعليق لدي». ورأت صحيفة غلوبال تايمز» الرسمية أن الفضيحة جزء من «تضليل تنفذه قوى غربية كبرى معادية للصين، خصوصاً الولاياتالمتحدة»، فيما تجنّبت الحديث عن فتح مقربين من ثمانية على الأقل من الأعضاء السابقين والحاليين» للجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، شركات وهمية في جنّات ضريبية. ويطاول التحقيق خصوصاً صهر الرئيس شي وابنة رئيس الوزراء السابق لي بينغ. وتحدثت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن مقربين من عضوين حاليين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي جانع غاولي وليو يونشان. وفيما تعتبر هذه المعلومات مربكة، في ظل تباهي شي بحملته الواسعة لمكافحة الفساد التي تهدف إلى تطهير صفوف الحزب عبر توقيف عدد من كوادره، فرضت السلطات رقابة مشددة على الفضيحة في الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي. وتلقى الصحافيون أوامر بشطب «كل مضمون يتعلق بتسريبات أوراق بنما، وفق توجيهات أرسلت إلى هيئات التحرير. إلى ذلك، كشفت الوثائق المسربة أن بين زبائن مكتب المحاماة البنمي شركة وهمية كورية شمالية تحمل اسم «دي سي بي فاينانس» التي تستخدم لتمويل البرنامج النووي لبيونغيانغ، ومسجلة منذ 2006 في الجزر العذراء. وفي واشنطن، صرح بيتر كار الناطق باسم وزارة العدل الأميركية أن السلطات تدرس المعلومات المنشورة عن مسألة «أوراق بنما، وهي تتعامل بجدية مع كل المعلومات التي تتطرّق إلى فساد أجنبي وتتعلق بالولاياتالمتحدة أو بالنظام المالي الأميركي». ردود المصارف وفيما أوردت الوثائق أسماء 30 مصرفاً ألمانياً بينها «دويتشي بانك» و»كوميرسبانك» ومصارف سويسرية مثل «كريدي سويس» و»يو بي إس»، وبنك «إتش أس بي سي» البريطاني و»سوسييته جنرال» الفرنسي، أكد رئيس مجلس إدارة مصرف «كريدي سويس» تيدجان ثيام في هونغ كونغ أن المصرف «لا يوافق إلا على عمليات الأوفشور الشرعية». وتابع: «يستخدم البنك معاملات مالية خارجية لكن فقط لإدارة حسابات العملاء الأثرياء الذين لهم أصول في أكثر من منطقة تخصص قضائي، ولا يدعم استخدامها للتهرب من الضرائب أو السماح بنشاطاتها بلا معرفة هويات الشخصيات المعنية». أما بنك «إتش إس بي سي» فأفاد بأن تاريخ الوثائق يعود إلى فترة تسبق إصلاحات شاملة لنظام عمله. لكن «كريدي سويس» و»إتش إس بي سي» دفعا في السنوات الأخيرة غرامات كبيرة للسلطات الأميركية بسبب إدارتهما الثروات أو عملياتهم البنكية. وفي ظل ورود أسماء مشاهير كثيرين في «أوراق بنما»، نفى الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم فريق برشلونة الإسباني ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني أي ضلوع لهما في فضيحة التهرّب الضريبي.