كفّ الأخوان فريد وماهر صباغ عن المواربة في إرسال الرسائل السياسية بأعمالهما المسرحية. فالمضامين ذات الطابع العام، غابت عن مسرحيتهما الثالثة «الطائفة 19»، ذلك إن المطلب السياسي كان مباشراً، ويختصر مطالب لبنانيين بالإنضمام الى «الطائفة الوطنية» ال19، على ضوء أزمة الإنقسام المذهبي المستمرة التي قادت لبنان الى حروب لا تنتهي. والطلب المباشر، قليلاً ما يرد في أعمال فنية، إذا ما قيس الجهد السائد بالرسائل الإيحائية. وخلافاً لتجربتين سابقتين لهما، «شي غيفارا» (2006) و «من أيام صلاح الدين» (2011)، حاكى الأخوان صباغ قضية حدثية من غير إسقاطات تاريخية. وعرضا القضية بشكل مباشر، بهدف تكريس «الطائفة 19» كحلّ نهائي لأزمة الإقتتال اللبناني. وتفرض طبيعة هذا المطلب أن يكون مباشراً، شأنه شأن جميع المطالب الإنقاذية. كثيرون يتقاسمون مع الأخوين صباغ لغة وطنية واحدة، قائمة على نبذ الخلافات والتعصب الطائفي... وكثيرون أيضاً أخرجوا الطلب – الأمنية من الصالونات السياسية الى الشارع. ولعل ذلك أبلغ دعوة لتقديم رسالة مباشرة، تتحدث عن نبض الشارع اللبناني الرافض لمسببات الإقتتال في لبنان. غير أن دعوة مشابهة، من ناحية فنية، تنطوي على مخاطرتين. الأولى تتمثل في إجهاد الممثل، والثانية في إطالة عمر المسرحية. وتلزم التفاصيل كاتب العمل، بإيضاح خلفيات الطلب، وشرحه. وعليه، يغرق في السرد والإيضاح. من شأن ذلك أن يطيل أمد العمل بما يفوق قدرة الجمهور على التحمل. وفي هذا الزمن، أعادت الرسائل النصية القصيرة ومواقع التواصل الإجتماعي تشكيل نظام حياتي جديد، يقوم على المختصر المفيد. تلك النقطة تحديداً، هي أبرز شوائب المسرحية التي بدت من الفها الى يائها، ممسوكة من الناحية الإخراجية، في حين أسهب الأخوان صباغ في سرد التفاصيل والشرح القانوني والمجتمعي للفكرة. قد يُسأل عن فحوى الغرق في الشرح: هل يتوجه الأخوان صباغ الى جمهور لا يدرك شيئاً عن انعكسات الطوائف وحكمها على لبنان؟ هل يفترضان أن الجمهور لا يدرك ماهية الطائفة 19، التي عُرفت في السابق بأنها الطائفة العلمانية، أو الوطنية، أو الطائفة التي تجمع اللبنانيين؟ يرتب الإعلان عن مشروع سياسي من هذا النحو، الشرح المفصل، حتى لو كان موجهاً الى جمهور مثقف سياسياً. طبيعة المشروع – الحل، تقضي بالإحاطة بكافة جوانبه. من الناحية السياسية، يصح هذا التقدير. لكن من ناحية فنية، فيصبح إسهاباً يأكل من عمر المسرحية، ووقعها المباشر، وقدرتها على التأثير بالحاضرين. على رغم أن الفكرة التي قام عليها المحوران، مبتكرة في سياقهما الزماني والمكاني. وتفرض المسرحية تقدير كاتبها على اختيار مكانين لبنانيين، مصهراً لتسويق فكرة «الطائفة 19». الإشكالية المرتبطة بسجن روميه، بما يتضمن من فساد ومشاكل متواصلة، كان الظرف المكاني الأمثل لعرض تفاصيل العمل. 18 شخصاً يمثلون 18 طائفة (عدد طوائف لبنان)، هم اللجنة الأساس في السجن لحل المشاكل. التسوية في السجن، أبرز اساليب الحلول. والتوازن أيضاً. وحده الجيش اللبناني قادر على ضبط صراعات الطوائف في هذا المصهر. هو الواقع بعينه. وقد أعطى الأخوان صباغ دوراً ريادياً للجيش في حفظ استقرار السجن، كونه الفئة الوحيدة المتفق على دورها. وهي سبب قوته. وكما في المحور الأول، فإن السياق المكاني للفصل الثاني في مكب نفايات الكرنتينا، يعد إشكالياً أيضاً. ويتقاسم جميع اللبنانيين وجع المكان نظراً لانعكاساته الصحية والبيئية. وبدا المكان مناسباً للحديث عن مؤامرات والصراعات على السلطة، وهي أبرز ما يشوب الحراك السياسي في العالم. وصمّمت يارا عيسى الخوري ديكورات المسرحية، ورسم السينوغرافيا رامي صباغ، وتولى تصميم الرقصات غريغور كلاشيان، وصممت أزياءها فاتن مشرف، وتولى الهندسة الصوتية شادي سعد، ونفّذ الإضاءة شادي نون. وتعالج المسرحية مشكلة الطائفية المنتشرة بين مختلف فئات الشعب اللبناني وكيفية اقحام اللبنانيين بانتماءاتهم الدينية في جميع أمور حياتهم وانعكاساتها على نزاعاتهم الشخصية. وتطالب بقانون مدني واحد، وإدانة لقوانين الأحوال الشخصية التي تستند الى تشريعات كل طائفة، علماً أن القانون الجزائي واحد. وبرغم حجم المسرحية، ومدتها الطويلة، إلا أن الأخوين صباغ استطاعا الإمساك بها إخراجياً من غير ثغرات. أجادا التنسيق بين 20 شخصاً يلعبون على المسرح بوقت واحد. كل منهم له دوره، وسياقه، وحركاته المباشرة. لم يدعا مجالاً لتركيز المشاهد على نفصيل دون الآخر. نقطة النظر المركزية، هي المسرح بأكمله. وحدها الإضاءة تعلن التعريف عن الأشخاص الذين يتحدثون. وتُحسب هذه النقطة لمصلحتهما أيضاً، لأن الحشد الغنائي والإستعراضي الموسيقي، يتخطى ما هو شائع لبنانياً. ومن قبيل المغامرة أن يتخطى عدد اللوحات الفنية ال 15، نظراً لانعكاسه على أداء الممثلين. وهو ما لم يظهر على مدى أكثر من ساعتين. فالممثلون قدموا عرضاً مباشراً لا مجال فيه للراحة. هو عرض مسرحي حي ومتواصل. وتعاون الأخوان صباغ مع وجوه فنية معروفة، أبرزها يوسف الخال، نبيل أبو مراد، خالد السيد، وجيسي عبدو، إضافة الى وجوه جديدة مثل كارين رميا، نزيه يوسف، أسعد حداد، عبدو شاهين، وزاهر قيس.