«الملقوف» شخصية عجيبة غريبة، شخصية يحيط بها الغبار من كل جانب، شخصية مشوشة مرتبكة لا تتضح ملامحها بسهولة، فهناك «الملقوف المكشوف»، وهذا أقل خطراً من «الملقوف الغامض»، ويضع الملقوف نفسه في مواقف محرجة في كثير من الاحيان، وفي مواقف مضحكة، إذ إنه يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، فما أن يسمع اثنان يتهامسان أو يتحدثان مع بعضهما البعض بصوت خافت، حتى تجد رأسه يكاد يلامس رأسَيْ المتحادثَين، واللافت أنك تجد أذنيه تعملان بطاقة هائلة وتحديداً في هذا الموقف، لذا تجده وكالة أنباء متنقلة، وهذه العادة القبيحة تكاد تنتشر انتشار النار في الهشيم، ناهيك عن امتلاكه بصراً حاداً، إذ إنه يمتلك عينين تستطيعان أن تقرآ الورقة وهي طائرة في الهواء، هذا الصنف من البشر يعاني من ارتباك في الشخصية، معززاً هذا بنشوء خلل في الذهن، فهو أشبه بالمريب، دائم الخوف يعيش في صراع مرير مع ذاته، يكاد القلق يفتك به وهو يعيش تحت سطوة أوهام بائسة، وما يثير الاشمئزاز هو تسنمه سدة الحوار، والنقاش، وأسرار الناس تقبع في ذاكرته المريضة، ويوحي لك بأنه طيب القلب، إلا أن الطيبة لا تجتمع مع سوء الظن، فضلاً عن فك ارتباطها بالأخلاق الفاضلة، فكيف يكون طيباً وهو يسيء إلى الآخرين بإقحام رأسه في شؤونهم. تختلف تسمية «الملقوف» من بلد الى آخر، فهو في مصر «الحشري» الذي يحشر نفسه في أمور لا تخصه، وإذا رغبت في تحديد مقياس لانتشار هؤلاء «الملاقيف» فإن هذا قد يتضح من خلال مبيعات الصحف، فإذا انخفض مؤشر التوزيع فاعلم أن هؤلاء القراصنة، قد جابوا البقالات والمحال التجارية لأن لديهم القدرة على تصفح الصحيفة وهي راكزة في مكانها في غضون دقائق، ويضاف إلى «الملقوف» أيضاً صفة «مرجوج» وحتماً «لقافته» كان لها نصيب الأسد في إسباغ صفة «المرجوج» عليه، فهو دائم الحركة، فتجده يتنقل بين المكاتب كفراشة لا تعرف للاستقرار طعماً، وحينما تتبلور أسرار الناس في ذاكرته، تبدأ مرحلة الغربلة لتختلط مع مفاهيمه القاصرة، ويضيف إليها ما خاب وخسر من أكاذيب، ليتحول إلى أكبر مصدر للشائعات، وهذا اللقب يستحقه بجدارة، بعد أن رهن نفسه في مزاد سوء الأخلاق. أسرار الناس ليست مجالاً للفرجة والعبث، وورد في الحديث الشريف «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، وقيل: «من تدخل في ما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه»، إن «الملقوف» وبكل أسف يتمتع بقدرات هائلة، إلا أنه لم يوظفها التوظيف الصحيح في مجالات تفيده وتفيد مجتمعه، يذكر أن الآثار السلبية الناجمة عن صولات وجولات الفضولي أو «الملقوف» لا تقف عند الأذى النفسي الذي يُلحقه بالآخرين فحسب، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، حينما تكون سبباً رئيساً في حدوث الخلافات الزوجية، لأن كل إنسان له خصوصية، ولا يرغب بأن يطلع أحد عليها، بيد أن هذا «الملقوف» الماكر يتحين الفرصة لمعرفة أدق التفاصيل، فإذا حام حول المعلومة فإنه لا يلبث أن يذيع ما رأى وسمع على الملأ، وهكذا يسهم هذا البائس في تأجيج الخلافات، إن هذا المتهالك يضفي إلى إخفاقاته إثارة لا تبرح أن تستفز المتلقي ويلقيها بطريقة لا تعدو كونها استقطاباً للاهتمام أو جمعاً للمعلومات ليس إلا، فيبادر بقوله: «ما تدري وش صار بفلان». لم يغب عن بال هؤلاء مجاراة التطور الحضاري ومواكبة التقنية من خلال وسائل الاتصال المتطورة، ويعتبر «الملقوف» غير المعروف من أشد الانواع خطورة، فمن نظام الكتابة على الجدران ورش البخاخ في جنح الظلام الى تقنية «الانترنت»، فتجده ملتحفاً بأسماء مستعارة تقيه من الضوء ووهج الحقيقة، ليضيف زخماً من الهراء لا منفعة فيه البتة، ومن أبرز المحاور التي تسهم في إذابة وتسريب العادات السيئة، التربية الصحيحة والتنشئة السليمة وتفعيل عنصر الثقة بالنفس، وصب المفاهيم المؤثرة بأساليب سلسة معبِّرة، ناهيك عن عنصر الشفافية والمصارحة، فيما يشكل التعليم عنصراً فاعلاً ومؤثراً في حين أن سعة الاطلاع، وإثراء الثقافة العامة، عبر القراءة والتزود بالمعلومات، من شأنه إنشاء جيل مثقف واعٍ مدرك، لاسيما أن الكلمة التي تنقلها او تنقرها هنا أو هناك كل سيقرؤها ويسمعها... فلنعكس رقي الثقافة بالابتعاد عن سفاسف الأمور والتحلي بالأخلاق، في مجال الحوارات والنقاشات بمعزل عن «لقافة» قد تنعكس سلباً عليك وعلى المجتمع، ولو أن أحداً ناصحه ونبهه لقال له بالفم المليان «وش لقفك»، حينئذ تدرك مغزى مقولة «الجزاء من جنس العمل». [email protected]