في قلعة صلاح الدين إحدى قلاع جبال الساحل السوري التي تتربع فوق قمة مرتفعة وتحيط بها الغابات والمناظر الرائعة، تنتظر مجموعة من فتيات الريف السوري في معرضهن الدائم على مدار العام، الزوار من الوفود السياحية لتسويق منتجاتهن من اكسسوارات يدوية ومفارش تراثية ومساحيق تجميل طبيعية ومنتجات العسل والحرير الطبيعي والألبان وغيرها. وباتت غالبية اصحاب المشاريع الصغيرة من النساء الريفيات تنتظر اجندة المعارض الخارجية التي تقام في المدن السورية وخصوصاً في تدمر وافاميا ودمشق وحلب واللاذقية، للمشاركة فيها وتسويق منتجاتها وعقد صفقات مع اصحاب الفنادق والمطاعم لتلبية طلباتهم بمنتجات فاخرة صنعت بأيدٍ ماهرة وبأسعار تنافسية. وكان آخر الصفقات واحدة لمشروع «ورد غان» مع فندق «فورسيزن» بدمشق لتوريد مفارش تراثية نقشت عليها احرف اوغاريتية بأشكال فنية ابداعية كما تقول آمنة محمد العاملة في المشروع. وآمنة واحدة من اربع فتيات بارعات في الخياطة والتطريز في قرية باستا في ريف اللاذقية شركاء في «وردغان» (نسبة الى ممكلة قديمة قامت في المنطقة واميرتها ورد غان)، تقدمن بمشروعهن الى «مركز اعمال المرأة الريفية» الذي اسسه «الصندوق السوري لتنمية الريف» (فردوس) احد المشاريع التي تشرف عليها «الامانة السورية للتنمية» برئاسة السيدة السورية الاولى اسماء الاسد، وبدعم تقني من «الجمعية الايطالية للمرأة في التنمية» (ايدوس) وبتمويل من الاتحاد الاوروبي لتخديم القرية وثماني قرى قريبة منها بهدف تفعيل دور النساء في سوق العمل من خلال تأسيس وتطوير مشاريعهن الصغيرة والمتناهية في الصغر بحيث تكون قادرة على الاستمرار الذاتي. واستطاعت آمنة ورفيقاتها بعد أن تلقين تدريباً خاصاً في المركز من قبل مدربة فرنسية والبدء بمشروعهن، مساعدة اسرتها في تعمير بيتها القديم وتجهيزه والمساهمة مع زوجها الذي يعمل شرطياً في مصاريف البيت. وتطمح امنة مع شريكاتها لتطوير وتنويع العمل خصوصاً بعد أن شاركت منتجاتهن في معرض في ايطاليا وتم بيعها بالكامل. ويتفاوضن حالياً مع مركز في الشام لتسويق منتجاتهن داخلياً وخارجياً. وكان المركز بدأ عمله في عام 2005 بحملة واسعة حينها لنشر التوعية في القرى المستهدفة، وتمكن من تدريب 200 سيدة على مهارات إقامة وإدارة المشاريع الصغيرة وتقديم الدعم المادي والفني ل 65 مشروعاً صغيراً يتراوح بين المشروع الإنتاجي والخدمي إضافة إلى تقديم ما يقارب 400 استشارة فنية للأعمال المقترحة، وتحضير أكثر من 70 دراسة للسوق لمنتجات مختلفة مقترحة من قبل النساء الريفيات أنفسهن، والمشاركة في أكثر من 30 معرضاً تم تنظيمها من قبل هيئات ومنظمات مختلفة محلية ودولية. وشجع النجاح الذي حققه المشروع في مرحلته الأولى على تنفيذ المرحلة الثانية التي بدأت نهاية العام الماضي بإضافة أربع قرى جديدة الى القرى السابقة ليصبح العدد الكلي 13 قرية في خطوة تهدف الى تعميم الإفادة على أكبر عدد من النساء الريفيات في المنطقة، وتمكين المرأة الريفية من اكتساب مكانها في سوق العمل. وذكرت منسقة المشروع شوق عبدالعزيز أن المرحلة الثانية التي بدأت في نيسان (ابريل) الماضي وتستمر ثلاث سنوات، «ستركز على العمل من أجل تحقيق الاستدامة الذاتية من خلال تحديد واختبار وتنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة»، لافتة إلى أن «الهدف هو الإفادة من التجربة الرائدة لحاضنة الأعمال بغية المساهمة في إقامة نموذج لتطوير المشاريع الصغيرة والتي يمكن أن تمتد للمناطق الريفية الأخرى في سورية». وتشير عبدالعزيز إلى أنه «في سياق دعم الحاضنة لرائدات الأعمال الريفيات ينظم المشروع بالتعاون مع النساء الريفيات أنفسهن بازار عيد الميلاد سنوياً في دمشق من أجل تحقيق مزيد من الرؤية للمشروع وتسويق منتجاتهن التي تتميز بالجودة للزوار العرب والأجانب وتحقيق مستوى عالٍ من المبيعات». وتقدم الحاضنة عبر استراتيجيات مبتكرة كل الإمكانات اللازمة لإنجاح المشروع، من دراسات جدوى واستشارات وتدريب وتأمين الأسواق المحتملة من خلال مبادرات تسويقية وضمان وجود مراكز ثابتة للتسويق وإنتاج المواد الترويجية والدعائية المختلفة لمنتجاتهن. ولم تقتصر نشاطات الحاضنة على عالم الأعمال بل نفذت عدداً من النشاطات الداعمة للمرأة الريفية مثل دورات محو الأمية ودورات توعية بالصحة الإنجابية ودورات إسعاف أولي. وتمت الاستعانة بخبراء أجانب في مختلف المجالات قدموا خبرتهم من جهة للسيدات لتطوير مشاريعهن الخاصة كما تم تدريب فريق العمل في الحاضنة بتدريبات خاصة ومكثفة في مجال تطوير المشاريع الصغيرة والتسويق ومهارات التواصل إضافة إلى برنامج متخصص في تدريب المدربين تم خلاله تزويدهم بالمهارات اللازمة للمدرب الفعال وأصبحت لديهم القدرة الآن على تقديم خدمات التدريب وإدارة الأعمال لفئات أخرى سواء كانت أفراداً أم هيئات. أوروبا جارتنا مشروع إعلامي مشترك متعدد الوسائط بين «الحياة» وتلفزيون «ال بي سي» وصحيفة «لوريان لوجور» الناطقة بالفرنسية، يموله الاتحاد الاوروبي ويهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع الاتحاد وبرامجه في منطقة حوض المتوسط عبر تقارير تلفزيونية ومقالات صحافية تنشرها «الحياة» اسبوعياً وتحمل علامة المشروع. المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي. للاطلاع زوروا موقع: www.eurojar.org