في سابقة من نوعها، اعترض قانونيون على حكم صادر من محكمة جدة الجزائية ضد مواطن مصاب بمرض نفسي مزمن، نظراً إلى تجاهل ناظر القضية الإجراءات النظامية الكفيلة بالتحقق من أهلية المحكوم قبل إصدار الحكم عليه. وحكم على الشاب الذي قبض عليه بتهمة تعاطي المخدرات بالسجن ثلاثة أشهر والجلد 80 سوطاً على رغم تقديم شقيقه وثائق رسمية من مستشفيات خاصة وحكومية إلى المحكمة تثبت معاناة شقيقه من مرض الفصام المزمن وظلالات وهلاوس سمعية بصرية. وأكد المحامي عبدالعزيز النقلي أن الواجب إرسال المدعى عليه إلى اللجنة الطبية في وزارة الصحة وطلب إصدار تقرير طبي عن حاله الصحية والعقلية، وما إذا كان مكلفاً مدركاً يقع عليه الحكم الشرعي أو فاقداً للأهلية وقت وقوع الفعل المعاقب عليه. وأوضح النقلي أن التقارير دائماً لا تعني عدم المعاقبة إذ لا بد أن يمس المرض أهلية المدعى عليه، فإن كان وقت ارتكاب الفعل فاقد العقل وهو مناط التكليف فإنه فاقد الأهلية ولا يصح صدور الحكم بحقه، مؤكداً أن من حق المدعى عليه حينها أو وكيله التقدم إلى الاستئناف للاعتراض على الحكم وتقديم التقارير الطبية المدعمة لحجته وطلب عرض المحكوم على لجنة وزارة الصحة لتقويم أهليته. واستغرب عدم توقيع الكشف الطبي اللازم عليه، «وأعتقد أن الاستئناف سيطلب البينات والكشف على المحكوم لإصدار تقارير أهليته، وإعادة محاكمته». أما إذا المحكوم تجاوز مدة الاستئناف فأكد النقلي أن القانون يضمن له تقديم التماس إعادة النظر في الحكم بناء على البينات التي لديه، وبذلك تتم إعادة فتح الملف والنظر في الحكم ثانية استناداً على مستجداته، وفي حال كان المحكوم نفذ الحكم وقضى مدة العقوبة فإن القانون كذلك يعطيه حق المطالبة بالتعويض إذا ثبت عدم أهليته. واعتبر النقلي أن مسألة الرجوع إلى رأي اللجنة الطبية في وزار الصحة للتحقق من أهلية المحكوم أمر مشابه لأخذ رأي اللجان الهندسية أو العقارية في الأمور الاختصاصية التي قد تخفى تفاصيلها على القاضي، ويلزم بأخذ آراء المختصين فيها. واتفق المحامي الدكتور عمر الخولي مع رأي النقلي في عدم صحة الحكم على غير المكلف إذا ثبت عدم أهليته، وهو غير محل وقوع العقوبات الجزائية، إذ توافر لديه مانع من موانع العقاب المعتبرة. وزاد الخولي: «مع الأسف أن بعض القضاة لا يقيمون وزناً لمثل هذه الأمراض النفسية، فإذا رأى القاضي المحكوم صحيح البدن أمامه سارع بالحكم عليه من دون أي اعتبار لحاله النفسية، خصوصاً في الأمراض المزمنة التي يفقد معها المصاب أهليته». وفي وقت أكد الخولي حق المحكوم في الاستئناف والتعويض، طالب بإلزام القضاة بالخضوع إلى دورات تدريبية مكثفة في الشؤون القانونية والشرعية والصحية لمعرفة التفاصيل الدقيقة قبل إصدار الحكم. وأشار إلى أن الإجراء الذي كان ينبغي على القاضي اتخاذه هو عرض المحكوم صاحب التقارير الطبية إلى لجنة مختصة لتقويم حاله النفسية ومدى تأثيرها على أهليته. وكان شقيق المحكوم ووكيله رفع خطاب التماس إلى القاضي الذي حكم على شقيقه بالسجن (تحتفظ «الحياة» بصورة منه) لتوضيح المرض النفسي الذي يعاني منه شقيقه ودفعه إلى تعاطي المخدرات، مرفقاً معه التقارير الطبية اللازمة، ومطالباً بصرف النظر عن دعوى المدعي العام، وتسليم شقيقه إلى أسرته لمواصلة العلاج، إلا أن القاضي لم يستجب، وكذلك المدعي العام الذي كان على اطلاع بتفاصيل القضية. يذكر أن المحكوم متزوج ولديه أربعة أطفال، ويعاني مرض الفصام منذ أكثر من 20 عاماً إثر صدمة نفسية تعرض لها أثناء دراسته في جامعة البترول والمعادن، وكان يتلقى العلاج منه على مدى تلك السنوات التي مر خلالها بانتكاسات عدة، ساقته قبل نحو ثلاث سنوات إلى أيدي مجموعة من المروجين والمتعاطين أغرته بتعاطي المخدرات للتخلص من مرضه.