طغى خبر الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» على النشاطات الرسمية والشعبية في لبنان أمس، فعمت الاعتصامات معظم المخيمات الفلسطينية وصولاً الى وسط بيروت حيث نفذ اعتصام مفتوح أمام مكتب الأممالمتحدة «اسكوا». في حين ندد الرسميون اللبنانيون بما حصل، مطالبين بتدخل مجلس الأمن. ووصف الرئيس اللبناني ميشال سليمان الاعتداء الإسرائيلي ب «العمل الإجرامي والمجزرة التي أضافتها إسرائيل اليوم الى سجل إجرامها وإرهابها المنظم»، محملاً في تصريح له «إسرائيل المسؤولية الكاملة عن حياة المدنيين الموجودين على متن السفن التي تقوم بعمل إنساني بحت»، وداعياً المنظمات الإنسانية الدولية الى «التدخل السريع والعمل على إنقاذهم»، كما طالب مجلس الأمن ب «عقد جلسة طارئة لبحث الموقف». وكان سليمان تلقى اتصالاً من رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية اطلعه خلاله على مجريات ما حصل، طالباً مساعدة لبنان لكونه عضواً في مجلس الأمن ويمثل المجموعة العربية. أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فتابع تطورات «عملية القرصنة الإرهابية والاعتداء الوحشي»، وطالب وزير الخارجية علي الشامي في اتصال أجراه معه بأن «يتحرك لبنان فوراً بصفته الرئيس الحالي لمجلس الأمن، وان يتحرك السفير اللبناني في الأممالمتحدة من اجل دعوة مجلس الأمن الى الانعقاد فوراً». كما تلقى بري اتصالاً من رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، وجرى «التشاور في المجزرة التي نفذها الإسرائيليون ضد اسطول الحرية، والإجراءات التي يجب اتخاذها على المستوى الإسلامي والآسيوي». واتفقا على متابعة الاتصالات والمشاورات للتوصل الى موقف موحد. وتوالت التصريحات المنددة بالاعتداء الاسرائيلي، وأبرزها من الرئيسين السابقين للحكومة نجيب ميقاتي وسليم الحص والوزير الشامي الذي أعلن أن وزارة الخارجية «تحركت منذ الصباح وطلبت، بعد التنسيق مع الرؤساء الثلاثة، من بعثة لبنان الدائمة لدى الأممالمتحدة التنسيق مع البعثة التركية، لدعوة مجلس الأمن الى عقد جلسة طارئة (أمس) لمناقشة هذا الاعتداء». كما أجرى الشامي اتصالاً بنظيره التركي احمد داود اوغلو للتعبير عن إدانة لبنان لهذا الاعتداء ووضعه في أجواء التحرك اللبناني على صعيد مجلس الأمن والتنسيق معه بهذا الشأن، ثم اتصل بالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى للتشاور معه في شأن التحرك العربي المشترك، وأبلغه موسى انه سيدعو اليوم الى اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لمناقشة المسألة. وجرى ايضاً اتصال بين الشامي ونظيره السوري وليد المعلم دانا فيه المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل ضد قافلة الحرية. وأكدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار في بيان أصدرته بعد مشاورات طارئة بين أعضائها على أثر الاعتداء الإسرائيلي «دعمها الحكومة اللبنانية التي بادرت بالخطوات اللازمة من أجل عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن واتخاذ التدابير المطلوبة تجاه إسرائيل». ودان «حزب الله» الهجوم الاسرائيلي ووصفه بأنه «جريمة موصوفة» محملاً اسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي مس بالرهائن. وقال النائب حسن فضل الله ان «الهجوم الاسرائيلي على اسطول الحرية المدني الأعزل جريمة موصوفة وعمل ارهابي يستحق عقاباً دولياً كي تتحمل اسرائيل عواقب ما ارتكبته وهي التي تستهتر بالقوانين الدولية». وتوالت الإدانة من عدد كبير من الوزراء والنواب اللبنانيين من فريقي الأكثرية والمعارضة ورجال دين، في حين انطلقت مسيرات في عدد من المخيمات. وأعلن كل من «منظمة التحرير الفلسطينية» في لبنان وحركة «حماس» الإضراب العام، فيما دعت المنظمة «القوى والفصائل الفلسطينية الى أن تلتحم اليوم وقبل الغد في وحدة وطنية متراصة لمواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال من خلال سياساته العنصرية». وفي وسط بيروت، نفذ عدد كبير من الفصائل الفلسطينية والتيارات والأحزاب اللبنانية اعتصاماً حاشداً شارك فيه عدد من الرسميين اللبنانيين، بينهم ممثلون عن «حزب الله» وكتلة «المستقبل» النيابية وآخرون. ورفع خلال الاعتصام العلم التركي الى جانب اللبناني والفلسطيني، ورايات «حماس» و «فتح» وغيرها، وصور الشيخ رائد صلاح الموجود على متن السفينة المستهدفة. وردد المشاركون هتافات مؤيدة لتركيا ومنددة بالاعتداء الاسرائيلي، منها: «بالروح بالدم نفديك يا تركيا»، وأخرى تطالب الامين العام ل «حزب الله» بأن «يقصف ويدمر تل أبيب». كما رددت نسوة محجبات هتافات تواسي مصاب تركيا، منها: «عين تبكي عالعروبة، وعين تبكي على اللي صابك. يا تركيا شو اللي صابك، زعزعت الدنيا بمصابك». وانضم الى الاعتصام افراد من الجالية التركية في لبنان، رافعين لافتات كتب عليها بالتركية: «تحيا الجمهورية التركية». وشارك في الاعتصام ادهم نجل أحد منسقي الحملة اللبنانيين هاني سليمان الذي ظهر على شاشات التلفزة مصاباً في الجزء الاسفل من جسده، والذي كان شارك في مرة سابقة في السفينة التي خرقت الحصار على غزة وتعرض لإصابة. وقال أدهم الذي عاد امس من دبي انه تحدث مع والده عند الحادية عشرة مساء اول من امس، و «بدا مرتاحاً، وأخبرني ان الاسطول بعيد نحو 120 ميلاً عن ميناء غزة». وأضاف: «والدي ربانا على هذا النهج العروبي، نحن الآن خائفون عليه، لكننا في الوقت نفسه فرحون لأنه يقوم بما يؤمن به. وان كان اصيب، فدمه ليس اغلى من دماء كل شهداء غزة وفلسطين». وأشار الى أن بين اللبنانيين الآخرين على متن السفينة ابو محمد شكر الذي خسر كل عائلته في حرب تموز (يوليو) 2006، ونبيل حلاق احد منسقي الحملة، والزميل في قناة «الجزيرة» عباس ناصر. وأشارت يسرا حلاق زوجة نبيل حلاق التي شاركت في الاعتصام الى انها كانت تشعر بشيء غريب منذ مغادرة زوجها، «لكن على رغم ذلك ارسلت ابننا راني (11 سنة) في الصباح الى المدرسة، ثم اتصلت بي شقيقة زوجي واخبرتني ان اشاهد الاخبار. هكذا عرفت بما حصل». وأكدت ان زوجها «معنوياته مرتفعة ولا يعرف الخوف»، لكنها اعتبرت أن «المهم بالنسبة الي ان اعرف ما يحصل معه، فنحن نستقي اخباره من التلفزيون في ظل هذا التعتيم». وأجرى الحريري امس اتصالاً بالرئيس التركي، مقدماً له التعازي بالشهداء الاتراك، ومعرباً له عن استنكاره الشديد وادانته لهذا العدوان، كما اكد له تضامن لبنان حكومة وشعباً مع تركيا في هذا المصاب الأليم، وبأن لبنان يعمل على عقد جلسة لمجلس الامن. وللغاية نفسها، اجرى الحريري اتصالاً بوزير الخارجية احمد داوود اوغلو استباقاً لجلسة مجلس الامن.