اذا كانت «الحرب على الارهاب» قد سيطرت على ادارة جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر، فإن تركيز ادارة باراك اوباما على مواجهة تنظيم «القاعدة» في افغانستان، وصولاً الى المناطق الحدودية من باكستان، التي باتت حسب الاستخبارات الغربية توفر أرضاً آمنة لنشاط هذه العناصر وتدريباتها، لا يعني سوى متابعة هذه الحرب بالحماسة ذاتها، وربما بفعالية اكثر مما استطاعت ان تقوم به الادارة السابقة. واذا كان اوباما يوافق ادارة سلفه على انها استطاعت منع قيام التنظيمات الارهابية بهجمات جديدة على الاراضي الاميركية، بفضل الاجراءات الامنية التي اتخذتها، فإنه لا يعفيها من المسؤولية عن عدم اعتقال القيادات الاساسية في «القاعدة»، والتي لا تزال قادرة على مواصلة نشاطها التحريضي عبر مواقع الانترنت وبعض الفضائيات التي تفتح شاشاتها لها، وكذلك على حشد وتجنيد انصار لها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها او تحت سيطرة حركة «طالبان»، المتحالفة مع «القاعدة» في فكرها واهدافها. وقد يكون مناخ الاسترخاء السياسي مع معظم مناطق المواجهة في العالم، من روسيا الى الصين، وصولاً الى كوبا وسائر اميركا اللاتينية، هو المناخ الذي سيطر بعد انتخاب اوباما ولغة المصالحة التي اعتمدها لحل الازمات الدولية. غير انه ليس هناك ما يشير الى ان هذا المناخ وصل حتى الآن الى مناطق النزاع في الشرق الاوسط، وبالأخص الى الصراع المستمر مع التنظيمات الارهابية ومع الفكر الذي يحرك نشاطها، وهو فكر تكفيري وشمولي بطبيعته، أي انه فكر يستعصي معه علاج الحلول الوسط التي لا بد منها للوصول الى المصالحات. وليس أدل على مدى الخطر الذي لا تزال الانظمة الغربية تشعر به حيال نشاط تنظيم «القاعدة» من المقال الذي نشره رئيس حكومة بريطانيا غوردون براون امس في صحيفة «الاوبزرفر» الاسبوعية البريطانية، واكد فيه ان الخطر الاكبر على امن بريطانيا وسائر بلدان الغرب الديموقراطية لا يزال يأتي ممن وصفهم ب «عملاء الحقد المجرمين» الذي يعملون تحت شعار «القاعدة». والمعلومات التي يقول براون ان جهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي «ام آي 5» استطاع الوصول اليها لا يستبعد ان تشاركه فيها اجهزة امنية اخرى، بما فيها اجهزة الاستخبارات الاميركية. وتقول هذه المعلومات ان عناصر اساسية من «القاعدة» تنشط في المناطق الشمالية من باكستان، حيث يتم التحضير لشن الهجمات على اهداف غربية، كما ان ثلثي هذه الهجمات يستهدف بريطانيا. ولهذا السبب حذّر جهاز «ام آي 5» على موقعه الالكتروني من ان مستوى هذه التهديدات لا يزال يعتبر «خطيراً»، وذلك بهدف تنبيه البريطانيين والمقيمين في بريطانيا الى مدى الخطر الذي لا يزال قائماً وإلى اهمية اتخاذ اقصى درجات الحذر. يأتي مقال براون في اطار اعادة نظر شاملة تقوم بها حكومته لاستراتيجيتها لمواجهة الارهاب، والتي ستعلن عنها هذا الاسبوع. وكذلك في اطار الاستراتيجية الاميركية حيال افغانستان التي ينتظر الاعلان عنها في المؤتمر الدولي الذي سيعقد في لاهاي بهولندا في نهاية هذا الشهر. وفي اطار هذه المراجعة هناك تركيز على اهمية الوقوف في وجه الاشخاص الذين يدعون الى القيام بأعمال عنف او يحرضون على الكراهية، وعلى اهمية مواجهة ايديولوجيتهم «غير المتسامحة والضيقة الافق»، كما سمّاها براون في مقاله، وذلك في المدارس والجامعات وفي اللقاءات العامة وحتى على مواقع الانترنت. لكن السؤال الذي لا يزال يعترض الاجهزة الامنية والمسؤولين عن مكافحة هذه الافكار هو حول مدى فعالية الحوار والنقاش مع عناصر تعتبر فكرها منزّهاً عن كل خطأ، ولا تتردد في تكفير أي فكر مخالف. صحيح ان ادارة جورج بوش تعرضت لانتقادات بسبب الاساليب التي لجأت اليها في مواجهة التنظيمات الارهابية، وكذلك بسبب لجوئها الى وسائل متطرفة بلغت حد التعذيب في التحقيقات التي اجرتها مع من اعتقلتهم، بهدف الحصول على معلومات عن تهديدات امنية محتملة. لكن الصعوبة التي تواجه ادارة اوباما وسائر الحكومات الغربية ستكون في قدرتها على التوفيق بين احترامها للحريات وحقوق الناس وبين توفير الحماية الامنية لهم. وماذا ستفعل عندما تجد ان ثمن هذه الحماية لا بد ان يكون من رصيد الحريات الشخصية او على حساب بعضها على الأقل؟