وصل انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي إلى مستوى قياسي مع نهاية الأسبوع الماضي، الأمر الذي دفع عدداً من أصحاب شركات تصنيع المواد الغذائية وأصحاب محال الجملة لبيع الألبسة الجاهزة في دمشق إلى التوقف في شكل شبه كامل عن البيع بانتظار استقرار سعر الصرف. كما أدت هذه الحال إلى تعالي الأصوات الناقدة للحكومة بين صفوف موظفي القطاع العام والموالين للنظام السوري، نظراً إلى زيادة الفجوة في شكل كبير بين أسعار المواد بشكل عام قياساً بالمرتبات التي يتقاضونها وعدم قدرة الحكومة على ضبط الوضع. وبدأ التدهور الملحوظ في سعر صرف الليرة أمام الدولار في 15 آذار (مارس) الجاري في اليوم التالي لإعلان روسيا سحبها الجزء الأساسي من قواتها الجوية من سورية، حيث انخفض حينها في السوق السوداء من 445 ليرة أمام الدولار إلى 475 ليرة، ومن ثم إلى 495 ليرة الإثنين 21 آذار، ليتدهور إلى 525 للشراء و530 للمبيع، بعد أن كانت العملة الأميركية لا تعادل سوى ما بين 46 –50 ليرة قبل الحرب المستمرة منذ خمس سنوات. ويقول صاحب شركة لتصنيع المواد الغذائية فضّل عدم ذكر اسمه خوفاً من الملاحقات الأمنية: «في الأساس حركة البيع والشراء في السوق جامدة وما حصل (الانخفاض الأخير لسعر صرف الليرة) جمدها نهائياً». ويضيف: «الناس ناطرة إلى أن يثبت سعر الصرف لتثبيت الأسعار». ويوضح أن شركته «لم توقف البيع بشكل كامل كما فعل آخرون»، لكنه يقول إن عملية البيع التي تقوم بها شركته «بسيطة جداً لتأمين أجور 100 موظف ومصروفي اليومي فقط». ويشير مراقبون إلى وجود أسباب أخرى لحذر التجار، بينها الانخفاضات المفاجئة لسعر صرف الليرة أمام الدولار الذي باتت مشهداً مؤلفاً في الاقتصاد السوري، فمع نهاية كل أسبوع، ومع أيام العطل الرسمية (الجمعة والسبت) و(عيد الفصح أمس)، تغيب الدولة وأجهزتها المختلفة عن سوق الصرف، الذي يسير حينها وفق قواعده الخاصة من دون ضوابط حكومية، قبل أن «تستيقظ» الحكومة من عطلتها وتحاول ضبط السوق عبر «مهدئات» مثل «مزادات القطع الأجنبي» أو «تدخل الجهات المختصة» في إشارة إلى الأجهزة الأمنية. ويتخوف التجار من أن يكون الانخفاض الحالي تكراراً لهذا الأمر. وهم يتحفظون عن البيع قبل تدخل الحكومة والمصرف المركزي الإسعافي اليوم (الإثنين) بفتح مزاد لتهدئة الأسعار. ويتحوطون في الوقت نفسه في حال لم يتدخل المركزي، لأن الانخفاض سيتواصل. أحد أصحاب محال بيع «الجملة» للألبسة الجاهزة في وسط العاصمة، يقول وهو يغلق متجره: «سأذهب إلى المنزل باكراً هذا اليوم. المصلحة ما عادت جابت همها، وما يحصل لليرة مصيبة». ويضيف: «لا أريد أن أبيع كل دقيقة بسعر، أو أغبن أحداً أو أحد يغبنني. أفضل إغلاق الدكان على البيع في هذه الظروف»، لكن تاجراً آخر يقول: «نحن مستمرون في البيع، بعد أن قمنا برفع أسعار سلعنا لتوازي الانخفاض في سعر الصرف الليرة، ولكن ليست هناك إقبال على الشراء من قبل تجار المفرّق. الشوارع فارغة». ويلفت آخر إلى «أننا جميعنا في حاجة إلى أن نبيع للإنفاق على أسرنا.. في ظل الوضع الحالي لا يفكر أحد بالإضراب. في الأصل لا نجرؤ على الإضراب»، في إشارة إلى تهديد عناصر الأمن المنتشرة في الأسواق إياهم إن قاموا بذلك. ويوضح الخبير الاقتصادي أسامة القاضي، رئيس «مجموعة عمل اقتصاد سورية»، إلى أن تدهور العملة السورية أثر سلباً على الوضع المعيشي للمواطنين الذين باتوا يعانون من تضخم فاق 500 في المئة، وفي بعض الحالات تجاوز ألف في المئة، بينما وصل هذا التضخم داخل المناطق المحاصرة إلى 4000- 8000 في المئة. ويشير إلى أن هذا التدهور أثر سلباً أيضا على توافر السلع الغذائية والوقود بالأسواق، كما رفع معدلات البطالة التي تجاوزت حاجز 70 في المئة. ويضيف أن استمرار تدهور قيمة الليرة جعل ما يزيد على 80 في المئة من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر. وغالباً ما يتبع وبشكل سريع الانخفاض في سعر صرف الليرة ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، ما يزيد من معاناة المواطنين بشكل كبير ويفاقم من سوء الأوضاع المعيشية. واللافت في هذه المرة أن الارتفاع غير المسبوق للأسعار بات حديث العامة في الشارع الموالي، وخصوصاً الموظفين الحكوميين، بعد أن كان مثل هذا الأمر يجري همساً وفي الجلسات المغلقة، وذلك بعد فشلهم في تحقيق التوازن بين الدخل الشهري والحاجة الشرائية، مع تجاهل النظام لمطالبهم برفع الرواتب التي لا تتجاوز ال35 ألف ليرة لموظفي الدرجة الأولى. ويصل سعر الكيلو من لحم الخروف حالياً إلى 4500 ليرة، بينما كان قبل الحرب 750 ليرة. وارتفع سعر الدجاج إلى 850 ليرة بعدما كان 70 ليرة. من جهة أخرى، تقول معلمة وهي أم لثلاثة أولاد وزوجها يعمل معلماً أيضاً: «مرتبي ومرتب زوجي يكاد يكفينا للعيش على الكفاف، هذا بالإضافة إلى ما نحصل عليه من الدروس الخصوصية التي نعطيها للطلاب. لا أعلم كيف يعيش من ليس لديه عمل أو يعيش على مرتب واحد». ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج حالياً إلى أكثر من 200 ألف ليرة شهرياً إن كانت تعيش في منزل غير مستأجر.