مجموعة من الشباب ينظرون بأسى إلى جثامين خمس ضحايا جدد راقدة بسكينة الموت على طرف الشارع، وهي مغطاة بألحفة رجال الدفاع المدني. خمسة شباب ذهبوا ضحية لحظة تهور. هكذا بدت الصورة كما نشرتها صحيفة محلية وهي تستعرض أوراق ندوة كبرى أمر بإقامتها السلطان قابوس كرد فعل مباشر على ازدياد ضحايا حوادث السير في السلطنة، وغالبيتهم من الشباب. وناهز عدد الوفيات السنة الماضية ألف شخص عدا عن آلاف الإصابات الضاربة بقوة في مستقبل جيل ينظر إليه على أنه ثروة بشرية، ما زاد من أعداد المعوقين وإضافة أرقام لا يستهان بها من الفتيات في سجل الأرامل والأيتام. والشباب هم الأكثر حضوراً في الشارع العماني وتعد السيارة الاهتمام الأول لهم. وساعدت الحالة المادية وظروف الطقس الصعبة والتسهيلات المقدمة من وكالات السيارات، في دفع الشاب لشراء سيارة، متحملاً سنوات لاحقة من عمره عبء دفع أقساط تبدو منطقية وعادية في مجتمع غالبية شبابه استدانت في شكل أو آخر من مصرف أو وكالة سيارات أو شركة تمويل. واستمرت ندوة السلامة المرورية خمسة أيام عبر 18 ورقة عمل تناولت ثلاثة محاور هي «دراسة مواد وبرامج التوعية المرورية وكيفية ووسائل توصيلها وقياس فاعليتها ومدى تأثيرها في مختلف شرائح المجتمع»؛ «دراسة فاعلية آليات وسبل التدريب والتأهيل في مجال تحسين مهارة وقدرة مستخدمي الطريق لتفادي الوقوع في الحوادث المرورية» ؛ و «تفعيل دور مؤسسات القطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمجتمع في تحمل المسؤولية والمساهمة في نشر الوعي المروري». وفي كلمته أمام الندوة اعتبر وزير العدل الشيخ محمد بن عبدالله الهنائي كسر قواعد المرور نوعاً من الفساد في الأرض، مشيراً إلى أن أرقام وفيات الحوادث «تثير الخوف والدهشة»، وأن أعداد المخالفات المرورية «دليل على عدم مبالاة البعض بقوانين السير، في وقت بلغت أرقام حوادث السير حداً لا يمكن السكوت عنه». وركزت أوراق اليوم الأول على الخطاب الديني كمحور مهم في عملية التوعية للشباب مع ما يمكن الإشارة إليه على أنه مراجعة من قبل الشرطة للاعتماد على المخالفات المرورية فقط لردع الشباب عن السرعة والاستعراضات بالسيارات التي أوجد المشرّع العماني لها مخالفة تصل إلى السجن. ووصف مفتي عام السلطنة الشيخ احمد الخليلي السرعة والتهور من قبل الشباب في القيادة نوعاً من الانتحار. وفيما تعد السلطنة من الدول الملتزمة قوانين السير ويظهر هذا لافتاً في حركة السير داخلها، إلا أن المسافات الكبيرة بين ولاياتها وارتباط الموظفين في مسقط بمناطقهم الأصلية جعلت آلاف السيارات تتحرك يومياً من مسقط وإليها. ويقطع البعض بسيارته أكثر من 300 كيلومتر ذهاباً وإياباً، لأسباب كثيرة منها أيضاً ما يتعلق بارتفاع إيجارات المساكن وعدم قدرة الشباب على الإيفاء بمتطلبات السكن في مسقط. الندوة أوصت في يومها الأخير بمجموعة من الأفكار المنتظر اعتمادها من السلطان قابوس لتفعيل خطة السلامة المرورية وحماية جيل الشباب من الذهاب ضحية تهور وطيش لم تفلح معه المخالفات المرورية المشددة، ومن تلك التوصيات وضع إستراتيجية وطنية للسلامة المرورية للأعوام 2011-2020 من قبل اللجنة الوطنية للسلامة على الطريق، تتضمن توحيد الجهود بما يتوافق مع التشريعات السارية والمتطلبات الدولية، وإنشاء مركز وطني لتوفير المعلومات الشاملة للمعنيين والباحثين في مجال السلامة المرورية. ورأت الندوة أهمية تطوير وتكثيف أساليب التوعية المرورية بأساليب حديثة وفاعلة من طريق استخدام الوسائل الإعلامية والتقنيات المتوافرة، مع ترسيخ مفهوم التربية المرورية في مناهج التعليم العام والخاص والكليات والجامعات، لتنشئة جيل مثقف، وتفعيل دور مؤسسات القطاع الخاص، وقيام الجهات المعنية بدراسة أنظمة المرور المعمول بها حالياً بما في ذلك مراجعة العقوبات والأحكام القضائية. وشددت الندوة في توصياتها على العمل على فرض المزيد من الرقابة والضبط المروري بما يتماشى مع تنامي شبكة الطرق وكثافة حركة المركبات، ومعالجة مواقع تكرار حوادث المرور بحلول هندسية فعالة وفق المعايير والأنظمة الدولية، وقيام الجهات المعنية بمراجعة وتقييم لوائح تحديد السرعة على الطرق، واستخدام دوائر مرورية في المحاكم تختص بقضايا المرور لسرعة البت فيها وتحقيق الردع المباشر للمخالفين. وركزت توصيات أخرى على البنى الأساسية للشوارع كتوفير المزيد من التسهيلات اللازمة لمستخدمي الطريق من المشاة، والمطالبة بتخطيط عمراني يراعي متطلبات حركة المرور. ويعمل عدد من الشباب ذكوراً وإناثاً على سيارات لتعليم القيادة، غالبيتهم لتحسين أوضاعهم المعيشية، واتهمت هذه المدارس الفردية بالتركيز على تعليم المتدرب على القيادة الآلية فقط بعيداً من تعليمه أخلاقيات القيادة ومبادىء السير وقوانينه. لذلك أوصت الندوة ب «تطوير سبل وآليات تعليم قيادة السيارة باستخدام نظام تعليمي منهجي موحد على مستوى السلطنة»، إضافة إلى عدم اعتبار مهنة تعليم قيادة السيارات وسيلة لقتل الوقت الضائع أو مصدر دخل إضافي للشباب بل هي مهنة للتفرغ التام لها ضوابط وشروط وتقيد ضمن المهن في وزارة القوى العاملة. ومن شأن هذا القرار في حال تطبيقه أن يضع مئات المدربين والمدربات في مواجهة أزمة حقيقية.