يتوجه اليوم أبناء محافظتي الشمال وعكار في لبنان الشمالي الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالسهم البلدية، وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها قيادة الجيش اللبناني التي اضطرت في الساعات الأخيرة الى استقدام تعزيزات نشرتها في أقضية الكورة وزغرتا وبشري لتطويق أي رد فعل على مقتل الأخوين انطوان ونايف صالح المنتميين الى «تيار المردة» بزعامة النائب سليمان فرنجية على يدي المتهم حنا برساوي المنتمي الى حزب «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع، رغم أن أسباب الحادث ثأرية ولا علاقة لها بالتحضيرات لخوض الانتخابات البلدية في مرحلتها الرابعة والأخيرة في شمال لبنان. ومع أن مقتل الأخوين صالح، وهما من بلدة واحدة في قضاء بشري، في بلدة ضهر العين قضاء الكورة، لا يمت بصلة الى الاختلاف السياسي بين «المردة» و «القوات»، وتعود أسبابه الى خلاف عمره أكثر من 5 سنوات، فإن ردود الفعل على مقتلهما أدت الى «كهربة» الأجواء البلدية، خصوصاً في المناطق التي يتواجد فيها الطرفان، وأوجدت حالة من البلبلة والحذر طرحت تساؤلات عن إمكان تأجيل الانتخابات في عدد من البلدات، لا سيما في أقضية زغرتا والكورة وبشري لقطع الطريق أمام حصول احتكاكات مباشرة بين محازبي الفريقين. لكن وزارة الداخلية والبلديات سرعان ما حسمت هذه التساؤلات وقررت في اجتماع لمجلس الأمن المركزي في حضور الوزير زياد بارود عدم تأجيل الانتخابات في أي من القرى، خصوصاً في ضوء الحشود العسكرية التي استقدمتها قيادة الجيش الى منطقة الشمال إفساحاً في المجال للسيطرة على الوضع وتحديداً في البلدات الساخنة، وذلك تأكيداً لإنجاز المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية في موعدها، فيما الاتصالات ناشطة لتسليم المتهم بقتل الشابين بعد أن أوقفت الأجهزة الأمنية بناء لإشارة من النيابة العامة التمييزية عدداً من أقاربه وأولاده على ذمة التحقيق ريثما يتم تسليمه، ما من شأنه أن يسهم في تنفيس أجواء الاحتقان التي بدت ظاهرة مع تشييع جثماني الأخوين صالح في ضهر العين بدلاً من مسقطهما في زرعون. وأكد مجلس الأمن المركزي أن «الانتخابات البلدية ستجرى في موعدها وأن القوى العسكرية والأمنية لن تتساهل بتاتاً مع أي أعمال مخلة بالأمن قد يقوم بها البعض وستستمر في التعاطي معهم بحزم وتوقيفهم وسوقهم الى القضاء». وتزامن التحذير الذي وجهه المجلس للمخلين بالأمن مع اتصالات تولتها قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية ب «المردة» و «القوات» وشددت خلالها على ضرورة ضبط النفس ورفع الغطاء السياسي عن كل من يحاول تعكير الأجواء الانتخابية. ويذكر أن التدابير الأمنية بدأت تغطي أقضية الكورة وزغرتا وبشري بدءاً من صباح أمس. ويفترض أن تؤدي كثافة التدابير الأمنية الاستثنائية الشبيهة بتلك التدابير التي كانت غطت مدينة صيدا طوال اليوم الانتخابي في الجنوب اللبناني الأحد الماضي، الى توفير الحماية الأمنية للعملية الانتخابية من ناحية، وتبديد أجواء البلبلة المترتبة على حادث ضهر العين باتجاه حث الناخبين على التوجه الى صناديق الاقتراع خلافاً لما تردد بأن نسبة التصويت في عدد من البلدات الواقعة في الأقضية الثلاثة ستتراجع لاضطرار الناخبين الى البقاء في منازلهم خوفاً من تجدد دورة العنف أثناء الانتخابات. لكن تدخل وزارة الداخلية بحزم للسيطرة على الأرض للحفاظ على الاستقرار العام لم يحجب الأنظار عن ردود الفعل على مقتل الأخوين صالح، خصوصاً أن بعضها تجاوز الحادث الى شن الهجوم على رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وهذا ما صدر عن لسان فرنجية في مؤتمره الصحافي الذي عقده أمس. وأكد فرنجية أنه «لم يعد هناك من مجال للمصالحة مع جعجع»، وأضاف أنه «يعتذر من الناس الذين ضغط عليهم لضبط النفس، ولتكن الدولة مسؤولة عن الجميع ومن يريد النزول الى الشارع ليتحمل مسؤولية أفعاله، إن النَفَس القواتي الاستفزازي جاء بعد خروج جعجع من السجن والمشكلة دائماً يفتعلها القواتيون مع الأطراف المسيحية». واعتبر فرنجية أن «المشروع القواتي مشروع فتنة ومن يدعم جعجع يتعامل مع مجرم خرج بقانون وليس ببراءة». وقال إن «الحادثة أليمة، لكن الانتخابات غداً (اليوم) ستجرى بكل هدوء وبأجواء ديموقراطية»، مكرراً قوله إن «كل من يدعم هذا الشخص من الشيخ سعد الحريري أو من أي مسؤول في الدولة، يدعم مجرماً ويعمل على تقويته داخل طائفته». واستدعى هجوم فرنجية على الحريري رداً من عضو كتلة «المستقبل» النيابية عمار حوري قال فيه: «النائب فرنجية لم يكن موفقاً في اتهامه السياسي للرئيس الحريري، خصوصاً أن لدى فرنجية مروحة من التحالفات السياسية التي لدينا ملاحظات عدة عليها». وأكد حوري أن «ما صدر عن فرنجية لا يخدم أجواء التهدئة التي نسعى إليها»، وذكر بأن «هناك الكثير من الملفات الماضية المعقدة التي إذا ما بدأنا بفتحها ستعيدنا الى فترة ما قبل اتفاق الطائف، وأعتقد أن فرنجية وفي لحظة هدوء سيعيد صوغ ما يصدر عنه بأسلوب آخر». وشدد حوري على ضرورة «توقف الدم» في لبنان. أما النائب في «القوات اللبنانية» ستريدا جعجع، فقالت إنها لن تعلق على كلام فرنجية «لأنه لا يستحق التعليق وأترك للبنانيين الكلام عن القوات وسمير جعجع والدور الذي يلعبه على الساحة السياسية الوطنية». وأكدت أنها اتصلت فور حصول الإشكال بقائد الجيش العماد جان قهوجي وقالت له: «نحن نعمل بكل ما في وسعنا لتسليم الفاعل في أسرع وقت للأجهزة المختصة»، متمنية وضع الإشكال في نصابه. وسألت ستريدا جعجع فرنجية: «من الذي يتحدث بمنطق الدولة ومن يسعى الى تسليم مطلق النار ومن عمد منذ خمس سنوات الى تهريب الفاعل الأساسي في جريمة ضهر العين وأصبح في سورية بأقل من 24 ساعة؟»، في إشارة الى الحادث الذي وقع قبل 5 سنوات وأدى الى مقتل شابين من «القوات» على يدي شخص من آل فرنجية هرب الى سورية وتوفي فيها وأعيدت جثته الى لبنان ودفن في زغرتا.