أتردد في دبي على مكتبة عامة، وهي واحدة من أربع خدمات أساسية تتوافر في كل حي، حيث يحوي كل حي حديقة كبيرة، ومكتبة عامة للأطفال وللكبار، وجمعية (بقالة كبيرة قائمة على مساهمات المواطنين) ومسجداً. ولأنني عادة أشتري من الكتب ما يفوق الوقت الذي أملكه للقراءة، لم اشعر يوماً بالحاجة لاستعارة الكتب من المكتبة العامة، إلا أنني اكتشفت أنه يمكنني في العام المقبل أن أكف عن شراء أعداد كبيرة من الكتب وأن أتمتع بعادة استعارة الكتب من المكتبة، فقد شاهدت عناوين كثيرة وجديدة ومغرية تقف دائماً في استقبالي كلما دخلت المكتبة ملوحة لي بورقها وكأنها تقول على طريقة الشباب السعودي الغزلنجي: (ممكن نتعرف). هذه هي الدعوة التي لا يمكن لمثلي مقاومتها: التعرف على الكتب. اصطادني كتاب جميل ثم ثان ثم ثالث وصرت صديقة للكتب المستعارة. في المرة الأولى وضعت الكتاب على طاولة الاستقبال، سألتني الموظفة هل لديك بطاقة عضوية؟ قلت نعم. (بالمناسبة بطاقة العضوية هي بطاقة يدفع مرتاد المكتبة، مئتي درهم، في مقابل عضوية خمس سنوات، واستخدام مجاني يومياً للانترنت وخصم عند تصوير الورق واستعارة الكتب... الخ، ويعاد له المبلغ عند انتهاء مدة البطاقة). أرشدتني الموظفة إلى طريقة مختصرة لإجراءات الاستعارة، قادتني الى جهاز امرر عليه بطاقتي ثم الكتاب، فيعطيني ورقة الاستعارة بكامل التعليمات يوم الاستعارة وتاريخ انتهاء الاستعارة... الخ. هذا الصباح وصلتني رسالة على هاتفي الجوال تقول: «قاربت مدة الاستعارة على الانتهاء الرجاء إعادة الكتاب». المكتبات العمومية هنا يديرها طاقم من المواطنات الإماراتيات الخلوقات والمتعلمات طوال اليوم، ويرتاد المكتبة الذكور والنساء، والطلبة والطالبات يتوزعون باختيارهم على منطقتين غير منفصلتين لكنهما توفّران الخصوصية لمن أرادها أو طاولات مستديرة لمن أراد الجلوس مشاركة، لا أذكر أنني مرة انتبهت لنوع المرتادين، رجالاً كانوا أو نساء لأنني منذ أدخل المكتبة لا أرى سوى الكتب وجنرالاً مهيباً يحرس المكتبة اسمه السكون يمنع الكلام، فلا اسمع سوى نقرات الكومبيوتر وهي تكتب هذا المقال. ألا تظنون أن دعم مغازلة الكتب قد تخفف في بلادنا كثيراً من مغازلة الفراغ والوسواس وكوابيس الظلام. [email protected]