يحكى أن خلافاً لم تعلن تفاصيله قادهم إلى شراء فرصة هادئة تضمن رحيله فرحل، وفي حين توقع البعض أن رحلته السويسرية تهدف إلى ضمان مسيرة أوروبية مميزة، كان انضمامه إلى نيوشاتل مجرد نهاية بعيدة من صخب أو قطيعة مع جماهير الأهلي. لذلك قرر حسين عبدالغني أن يعود، لكنه لم يزر بعد الغياب داره الخضراء، بل اختار النصر، وهناك طاوله وإدارة ناديه الجديد من النقد ما طاولهم، لم تتوقف الأسئلة عند جدوى التعاقد مع لاعب بلغ عامه الثاني بعد الثلاثين، من دون أن يتجاهل أحد مشكلاته الكثيرة في ماضي أيامه في الملاعب السعودية، لكن الدار الصفراء فتحت ذراعيها مرحبة بالوافد الجديد غير آبهة بما كان، منتظرةً ما سيكون. لا يمكننا أن نصف البداية الصفراء بالجيدة، فالرحلة في أعوامها الأولى تعرضت للكثير من العوائق، فلم ينتبه أحد إلى وجوده، ظل حسين عبدالغني حاملاً شارة القيادة في النصر لاعباً حاضراً، لكن النتائج غابت! إلا أن ما تجلى بوضوح هو ميل اللاعب الانفعالي إلى النضج، فخفت انفعالاته، لكنها لم تختف على الأقل في بداية المشوار. العثرات التي لازمت النصر في الأعوام الماضية انعكست أحياناً على عبدالغني ففجرت غضبه داخل الملعب أو حتى خارجه عبر أحاديث إعلامية، لكنها في المقابل لا تخفي حضوره الفني وطاقاته الجبارة داخل الملعب. اليوم في ظل المكتسبات التي يحققها النصر يبدو القائد الخبير أكثر هدوءاً، ما يوضح قيمته الحقيقية داخل الملعب، ليلفت الأنظار إلى قيمة النضج الكروي ودوره في صناعة فريق بطل، «العالمي» الذي لازمته طوال أعوام وأعوام روح الهزيمة تلمس في قائده ما غاب عنه، فبات الفوز عادة وثقافة، فيما تحولت الهزيمة إلى حال غضب وخجل، كلها نتاج ثقافة شارك عبدالغني زميله الجديد محمد نور في زرعها. عبدالغني الذي يلامس اليوم عامه السابع بعد الثلاثين يحرج بعطائه داخل الملعب عدداً من أقرانه الشبان الذين تعييهم الدقائق الأخيرة من المباراة، فيما ينثر فيها إبداعه، وأمام تهاوي الخصوم يستعيد عبدالغني في كل مرة أنفاسه فيعود وكأنه للتو دخل الملعب، وكزرع طال انتظار حصاده يثمر قائد النصر اليوم بنضجه فرحاً يملأ المدرج الأصفر عبر قدراته اللياقية وتركيزه العالي المتناقض مع كل الأعراف الكروية التي تصر على أن لاعبين بهذا العمر يفترض أن يودعوا الملاعب، هذه المعادلة تؤكد قيمة الانضباط بين اللاعبين، لكنها في الوقت ذاته تجبر المتابع على التعاطي مع عبدالغني بصفته ظاهرة تستحق الدرس في كل ما يتعلق بالعطاء البدني، بغية تكرار التجربة المميزة ذاتها مع جيل جديد.