على رغم نفي الإدعاء المصري نهاية الشهر الماضي أي علاقة للداعية السعودي عائض القرني بقضية التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين» والتي تبدأ محكمة أمن الدولة - طوارئ منتصف الشهر المقبل النظر فيها، غير أن أوراق القضية تكشف أن نيابة أمن الدولة العليا وجهت إلى متهم يحمل اسمه اتهامات عدة من بينها تمويل جماعة «الإخوان» داخل مصر وخارجها. وخلط قرار الاتهام بين الداعية القرني وبين رجل دين سعودي آخر يدعى عوض القرني، وهو أمر أحرج النيابة التي اضطرت إلى الإقرار بخطئها. لكن أوراق القضية التي تسلمتها المحكمة تمهيداً لبدء محاكمة المتهمين في القضية ما زالت تورد اسم المتهم على أنه عائض القرني. وكان النائب العام المصري المستشار عبدالمجيد محمود أحال في 21 نيسان (أبريل) الماضي على محكمة أمن الدولة العليا كلاً من القرني (المقصود عوض وليس عائض، كما ورد في قرار الإحالة) والداعية المصري وجدي عبدالحميد غنيم (يتنقل خارج البلاد منذ سنوات ) والمتحدث باسم التنظيم الدولي ل «الإخوان» إبراهيم منير مصطفى (يقيم في لندن) والأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصريين الدكتور أشرف عبدالغفار (يقيم في تركيا) ورئيس مجلس إدارة شركة الصباح للصرافة الدكتور أسامة محمد سليمان (الوحيد قيد الاعتقال). وتفيد أوراق القضية التي حققت فيها نيابة أمن الدولة العليا طوال الشهور الثمانية الماضية، أن المتهم القرني اشترك مع القيادي «الإخواني» إبراهيم منير في تنظيم حملات على هامش مؤتمر عقد في لندن في 24 أيار (مايو) العام الماضي، وأشارت إلى أنهما تمكنا خلال تلك الحملات من جمع تبرعات تجاوزت مليوني جنيه استرليني، حيث تم إرسالها إلى وحدات جماعة «الإخوان» من خلال تسليمها إلى بعض الوسطاء غير المرصودين أمنياً. وجاء في أوراق القضية التي حصلت «الحياة» على نسخة منها أن المتهمين الأربعة (أشرف عبدالغفار والقرني ووجدي غنيم وإبراهيم منير) مدوا جماعة «الإخوان» التي «أُسست على خلاف القانون والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها» بأموال مع علمهم بأغراضها. وأوضحت أن المتهمين مدوا الجماعة بمبلغ أربعة ملايين جنيه استرليني لتمويل نشاطاتها التنظيمية، فيما ارتكب المتهمان المصريان (إبراهيم منير وأسامة سليمان) جريمة تبييض أموال قيمتها مليون و800 ألف يورو بهدف إمداد «جماعة غير مشروعة». وأوضحت أن منير أرسل تلك المبالغ عبر وسيط هو السوري ياسر جابر قشلج إلى حساب المتهم المصري سليمان في أحد فروع المصرف العربي الدولي، وأن سليمان حوّل جزءاً من تلك المبالغ إلى حسابه الشخصي في بنك «بي ان بي باريبا». وأشارت إلى أن سليمان استخدم سائقاً يعمل لديه في شركة الصرافة التي يملكها لمجابهة الإجراءات الأمنية. ولفتت أن السائق وائل عويس جبيلي سحب من أرصدة سليمان بموجب شيكين وسلم قيمتها إلى المتهم بعد تحويل العملة إلى الدولار الأميركي. وقالت «إن القصد من تلك العمليات هو إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها وعرقلة التوصل إلى مرتكبي الجريمة المتحصل منها هذه المبالغ». وكشفت أوراق القضية التي حملت الرقم 404 لعام 2009 حصر أمن دولة، أن الاشتباه في تحويلات مالية قادمة من لبنان الذي وُصف بأنه «أحد الدول ذات الأخطار العالية» كانت الخيط الأول لكشف تفاصيل القضية وعلاقة المتهمين. وأوضحت أن إخطاراً ورد إلى مباحث أمن الدولة من وحدة مكافحة تبييض الأموال التابعة لوزارة الداخلية المصرية تضمن الاشتباه في تحويلات مالية عدة وردت على حساب أسامة سليمان قادمة من لبنان في غضون شهر حزيران (يونيو) العام الفائت بقيمة مليون و800 ألف يورو، وعلى إثر ذلك الإخطار بدأت أمن الدولة تحريات واسعة توصلت إلى تلقي سليمان تلك الأموال في إطار نشاطه التنظيمي في جماعة «الإخوان» وان قيادات في الجماعة كلفته بتلقي تلك الأموال على حسابه لإخفاء مصادرها بهدف مجابهة الإجراءات الأمنية ومحاوله إخفاء مصادر التمويل، ومن ثم سحب تلك المبالغ وضخها في مشاريع اقتصادية خاصة ب «الإخوان» مع الحصول على الأرباح واستخدامها في تمويل النشاطات التنظيمية للجماعة. ووفقاً لشهادة الشاهد الأول في القضية المقدم في جهاز مباحث أمن الدولة هشام زين أمام النيابة فإن تحريات الأجهزة الأمنية التي اضطلعا بها أفادت «أن أموالاً خاصة بجماعة الإخوان المسلمين تم تجميعها لمصلحتها من خلال حملات لجمع التبرعات خارج البلاد نظمها المتهمون الأول أشرف عبدالغفار والثاني الداعية وجدي غنيم والثالث عائض محمد القرني (المقصود عوض القرني) والرابع إبراهيم منير في الفترة من بداية عام 2009 حتى شهر أيار (مايو) من العام ذاته على هامش مؤتمرات وندوات عقدت في لندن وبعض المدن الإنكليزية الأخرى تحت زعم تقديم حصيلتها لدعم القضية الفلسطينية وإقامة مشاريع خيرية بالدول الإسلامية، إذ قام المتهم الأول في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في بداية السنة الماضية بتنظيم حملة لجمع التبرعات من خلال إحدى المؤسسات التي تتخذها الجماعة غطاء لتحركها في لندن وهي دار الرعاية التابعة لجمعية الدعوة الإسلامية، تمكن من خلال هذه الحملة من جمع تبرعات بلغت حصيلتها أكثر من مليوني جنيه استرليني، كما قام المتهم الثاني بتنظيم حملة أخرى على هامش ندوة عقدت بتاريخ 15 شباط (فبراير) 2009 في بلدة كنغستون في بريطانيا، بينما قام المتهم الرابع بتنظيم حملة لجمع التبرعات على هامش مؤتمر عقد في العاصمة البريطانية لندن بتاريخ 12 نيسان (أبريل) 2009. كما قام المتهم الثالث (القرني) والرابع (منير) بتنظيم حملة على هامش مؤتمر حمل عنوان «حياة أسرية افضل» عقد في مدينة لندن في 24 أيار (مايو) 2009 وشارك فيه القرني ومنير». وأشار إلى أنهما تمكنا من جمع تبرعات تجاوزت حصيلتها مليوني جنيه استرليني. وفي أعقاب تجميع هذه الأموال، أرسل المتهمون جزءاً منها لوحدات الجماعة في مصر من خلال تسليمها إلى بعض عناصرها غير المرصودين أمنياً حال وجودهم في الخارج. بينما سلموا الجزء الآخر للمتهم الرابع (منير) بصفته المسؤول عن تجميع هذه الأموال لمصلحة الجماعة ليتولى بدوره توزيعها على الوحدات التنظيمية التابعة لها خارج البلاد وداخلها وفقاً لما يتلقاه من تكليفات من قياداتها. ولفت زين في شهادته إلى أن التحريات أثبتت أن منير تمكن من إقناع السوري ياسر جابر قشلج بمشاركته تحت زعم إقامة مشاريع استثمارية في البلاد وسلمه هذه الأموال على أساس أنها حصته في تلك الشراكة دون أن يفصح له عن طبيعتها أو مصدرها وطلب منه تحويلها لحساب المتهم اسامة سليمان بالمصرف العربي الدولي تحت زعم البدء في تنفيذ هذه المشاريع على أن يقوم السوري بإرسال حصته في تلك الشراكة لاحقاً وهو ما تم بالفعل. وأكد مدير قطاع الرقابة والإشراف في المصرف المركزي المصري أيمن نبيه عبدالفتاح (الشاهد الثالث) في إفادته أمام النيابة «وجود شبهة تبييض أموال إذ أن تلقي المتهم أسامة سليمان تحويلات مالية بقيمة (2 مليون و800 ألف يورو) على ثلاث دفعات لا يتناسب وطبيعة عمله ونشاطه (رئيس مجلس إدارة شركة الصباح للصرافة) بالإضافة إلى قيامه خلال فترة زمنية قصيرة بالكثير من التصرفات المالية المتتالية على تلك الأموال مما يثير الشك في تصرفاته.