لم تجد ألفت الكرد (35 سنة) أبلغ من كلمات قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش «أحن الى خبز أمي» لتعبر عن فقدها والدتها بمرض عضال قبل تسع سنوات. كتبت ألفت على حسابها على «فايسبوك» مطلع القصيدة التي غناها قبل نحو 30 عاماً الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة: «أحن الى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي، وتكبر فيَّ الطفولة يوماً على صدر يومي، وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي». لم تكتفِ ألفت بسماع هذه الأغنية أو أغنية الفنانة المصرية الراحلة فايزة أحمد «ست الحبايب»، بل توجهت منذ صباح أمس، الذي صادف عيد الأم، الى بيت شقيقتها الكبرى مرفت أم العبد (46 سنة). تفتقد ألفت والدتها في هذه المناسبة، نصائحها ورعايتها وحنانها، التي تحاول أم العبد تعويض جزء منه. تقول ألفت ل «الحياة»: «أم العبد أمي في المسرات والأزمات وفي كل شيء. هي من ربتني وشقيقاتي الأصغر، نشكو لها أنا وشقيقاتي همومنا، تفتح لنا قلبها وعقلها، عندما تنظر الى عينيّ تعرف ماذا يدور في عقلي». وتضيف أن شقيقتها الكبرى سدّت فراغاً لديها ولدى أخواتها وإخوتها «لكن لا يمكنها أن تعوض غياب أمي وحنانها». وترى أم العبد، التي كانت بلغت السابعة والثلاثين عندما توفيت والدتها عن عمر يناهز 55 سنة، في حديث ل «الحياة» أن «الأم هي أعز شيء في الوجود، والحياة بلا أم لا طعم لها». وقتلت اسرائيل على مدى أكثر من سبعة عقود من احتلالها فلسطين آلاف النساء الفلسطينيات، من بينهن أكثر من 300 خلال العدوان الأخير على قطاع غزة صيف 2014، فيما تغيّب الأمراض المختلفة، بخاصة مرض السرطان، عشرات النساء سنوياً. كما قتلت قوات الاحتلال أكثر من 200 فلسطيني منذ اندلاع انتفاضة القدس في الأول من تشرين الأول (اكتوبر) 2015، من بينهم حوالى 20 فتاة وامرأة. وتغيّب اسرائيل خلف قضبان سجونها حوالى 70 فلسطينية، بينهن 13 أماً تركن أطفالهن خلفهن، إحداهن الأسيرة سامية مشاهرة التي يفتقدها أبناؤها الثلاثة في مثل هذا اليوم. ويتضاعف ألم أبناء سامية في مثل هذا اليوم، نظراً الى غياب والدهم الذي استشهد برصاص قوات الاحتلال قبل 14 عاماً. وخلافاً لمن فقدوا أمهاتهم شهيدات برصاص الاحتلال أو غيبهن الموت، فإن أبناء سامية مشاهرة يعيشون على أمل أن يلتقوا بها يوماً، مهما طال الزمن. لكن عشرات آلاف آخرين احتفلوا مع أمهاتهم وقبّلوا أيديهن واستمتعوا بلحظات بقربهن أو في أحضانهن. وحفلت شبكات التواصل الاجتماعي بالتهاني لهذه المناسبة، التي تمر على الفلسطينيين وهم في أحلك الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعلى رغم الدم النازف، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إلا أن أسواق قطاع غزة شهدت حركة تجارية نشطة، إذ غص كثير من محال الهدايا بالمشترين. كما عرفت محال بيع حلويات أعياد الميلاد والملابس وغيرها من الهدايا حركة بيع لم تعهدها سوى في مناسبات مماثلة، من بينها اليوم العالمي للمرأة، الذي صادف في الثامن من الشهر الجاري، أو عيد الحب، الذي صادف في الثامن من الشهر الماضي. وعزا كثير من الناس رغبتهم في الاحتفال بعيد الأم وغيره من المناسبات الى شغفهم في اقتناص لحظات من الفرح لهم ولذويهم وأصدقائهم، في ظل أجواء تسودها الكآبة، والإحباط وفقد الأمل.