يبدو أن الزمن الذي كانت فيه نتائج مناقشات صندوق دعم الفيلم المغربي مجرد عملية إعلان وتفريغ لأسماء مخرجين (أو منتجين) محظوظين ومبالغ مالية مرصودة، ولّى. كانت الخلاصات لا تثير سوى ما تفرضه قراءتها، مع الأمل في أن تكون «العواقب» السينمائية سليمة وعلى خير، والأمل في أن تكون الأفلام التي على أساسها قُدمت كمشاريع وسيناريوات وتقديرات، أفلاماً تحقق الحد الأدنى من المستوى المطلوب والمقبول فنياً وتقنياً ومضموماً. أي ليس بالضرورة أن تكون أفلاماً جيدة جداً وعالية الفن. بل فقط أفلام متوسطة تمكن من أن تدفع عجلة الفن السابع نحو الأمام، ونحو مزيد من الترسيخ والحضور في المشهد الثقافي المغربي كقاطرة وعامل من عوامل إشهار «الماركة» المغربية ثقافياً وإعلامياً وسياحياً. وخلال السنوات الأخيرة لوحظ أن مسألة تقديم الدعم بالصيغة المعدلة الحالية، لم تعد تخضع للآلية القديمة، ولم تعد مجرد مِنح مالية من دون أن تعقبها تساؤلات سابقة ومرجعيات مؤسِسَة. وقد جاء ذلك نتيجة الكلام الكثير، والجدال المتصاعد الذي يرافق إعلان النتائج في كل مرة، بين الذين رضوا والذي رفضوا، الناقمين والناقدين والموضوعيين. وفي الغالب ما بين الذين حازوا على المِنة ومن لم يسعفهم الحظ في ذلك. هذا أولاً، وثانياً لأن النتائج السابقة أسفرت بعضها عن «كوارث» فيلمية حقيقية، أفلام من دون مذاق ولا فنية ولا قيمة تذكر، واستفادت من المال العمومي. ففي أحوال عدة يكون السيناريو مُتقناً لكن الإخراج وتسيير مقاولة الفيلم يؤدي إلى نسخة فيلمية رديئة. لذا صار الاحتياط واجباً ومفروضاً عند إصدار الحكم ومنح الدعم، في ذهن الأعضاء الذين يختارون للجنة الدعم السينمائي. هؤلاء الأعضاء الذين صاروا بطريقة ضمنية ومضمنة يضعون قيمتهم ووضعيتهم وصفتهم في ميزان الاختيار السينمائي. والمتأمل لما أسفرت عنه نتائج اللجنة اخيراً (الدورة الأولى 2010)، لا يمكنه إلا أن يلاحظ تغيراً إيجابياً ومعطى جديداً في تقدير المنح وتقديمها. فالملاحظ أن الجزء الأكبر من المخرجين الذين حصلوا على الدعم هم ممن لهم التجربة السينمائية المطلوبة، وأبانوا عن قدرات إخراجية حقيقية، كحميد الزوغي صاحب ملحمة «خربوشة»، وها هو يقتبس راوية «بولنوار» لكاتب رصين ومعروف هو عثمان أشقرا... والكوريغراف الأول بالمغرب لحسن زينون الذي تمكن من إخراج فيلم «عود الورد» بمواصفات فنية ملموسة، والذي مُنح فرصة إخراج فيلم ثان بعنوان «موشومة»، كَتب له السيناريو الكاتب والمحلل السياسي والناقد السينمائي محمد سكري. وأيضاً المخرج محمد مرنيش الذي آل على نفسه أن يرسخ المعطى الأمازيغي كثقافة وحساسية فنية ومجال للتوظيف السينمائي عبر فيلمين سابقين ناطقين بالأمازيغية هما «تيليلا» و «تمازيرت أوفلا»، والذي سيتمكن من إخراج فيلم «ياك ياك أتايري» عن سيناريو كتبه الناقد خالد الخضري. ونرى أمراً محموداً ومشجعاً في منح المخرج عبدالسلام لكلاعي فرصة إخراج فيلمه الطويل الأول «ملاك»، كعلامة على حسن اختيار مما لهذا المخرج من قدرات فنية وسينمائية وثقافية حقيقية تلمسناها في أفلامه القصيرة والدرامية السابقة. كل هذا يجعلنا نتأمل خيراً في السينما المقبلة عبر هذه الأفلام لمخرجين فنانين في الأصل (الموسيقى، الرقص...)، والمكتوبة بأقلام تختبر الأدب والفن، وبأقلام روائية، ولها نفس ثقافي أعمق مما كنا نلمسه في السنوات السالفة. فهل هي بداية أخرى أفضل وأعمق؟ يبدو ان أعضاء لجنة الدعم قرأوا الرسالة جيداً وأرسوا البداية المرجوة.