قبل أيام اختطف طالب جامعي وصحافي شاب اسمه سَردَشت عثمان في إقليم كردستان أمام جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل، مع أنها تعتبر من المدن الآمنة في العراق. وعثر عليه بعد يومين من الخطف مقتولاً في أطراف مدينة الموصل. وقد حرّك هذا الحدث، حيث تم تعذيب المغدور به كما أُطلقت رصاصات في فمه، أوساطاً غير قليلة من المثقفين والإعلاميين ضد العنف بحق الصحافيين وحرية التعبير. قبل ذلك بأيام معدودة كان هناك سجال فكري وسياسي عنيف بين حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني ومجموعة من المثقفين والكتاب بسبب نشر قصيدة في مجلة ثقافية اسمها «ويران»، أي الخراب، ذكرت فيها أسماء الأنبياء، ورآها الحزب الإسلامي المذكور إساءة للأنبياء والأديان، وطالب بإيقاف المجلة ومحاكمة المشرف عليها. وقد لجأ الاتحاد الإسلامي إلى تعبئة الجوامع وخطب الجمعة لذلك، فيما لجأ المثقفون إلى إصدار بيانات الشجب واعتبار ما صدر ضد المجلة حملة منظمة لطمس حرية الكلمة والتعبير. وفي الأيام التي سبقت الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في السابع من آذار (مارس) الماضي، قال رئيس الجماعة الإسلامية علي بابير: «سنشتكي على مَن لا يصوت لنا في هذه الانتخابات عند رب العالمين ليعاقبه في الآخرة»، وأعاد موقع الجماعة المذكورة نشر هذا الكلام الذي جاء في سياق حديث طويل لعلي بابير عن الحملة الانتخابية لجماعته. بموازاة ذلك الكلام الصادر عن رئيس حزب إسلامي، كانت هناك حرب كلامية طاحنة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة «التغيير» المنشقة عنه، وصل فيها التشهير وشخصنة الصراعات إلى مستوى غاب عنه جميع مبادئ حرية الكلام والنقد السياسي المفترض اتباعهما في العمل السياسي. إذاً، نحن أمام مشهد يشوب جانباً منه عنف فعلي ورمزي. فبعد اختطاف وقتل سردَشت عثمان تحركت المنظمات الأهلية والمؤسسات الإعلامية «المستقلة» في الإقليم ونظمت احتجاجات شعبية تحت شعار «لن نسكت»، وطالبت في بيان لها الحزب الديموقراطي الكردستاني، باعتباره مسؤولاً عن أمن المدينة، بتوضيح أبعاد الحدث وتشكيل لجنة تحقيق خاصة لكشف المنفذين. وكان حضور المعارضة المتمثل بحركة «التغيير» لافتاً بين الاحتجاجات الشعبية حيث وظفت قنواتها الإعلامية المرئية والمقروءة للحدث. مقابل ذلك رد الحزب الديموقراطي على كل ذلك ببيان نفى فيه أية إشارة إلى مسؤوليته. لكن ما استوقف المتابعين هو التجاء الديموقراطي في الرد ذاته إلى مفردات تشوبها قسوة لفظية تقتضي التوقف، ذاك انها تصدر عن حزب سياسي له نضال طويل ضد قسوة النظام السابق أولاً، وهو يشارك في عملية سياسية تُعتبر «الديموقراطية» إحدى أصولها في إقليم كردستان والعراق. يقول البيان الموجه إلى حركة «التغيير» في مقطع منه: «والحال هذه، اننا مقتنعون بأن لديهم أعمالاً وتصرفات وحشية أخرى، إن لم نقطع أياديهم القذرة»، ويقول في جزء آخر: «نطمئن جماهير شعب كردستان، بأننا ندفن مخططي ومنفذي هذه الفتنة ويُبين بلدنا وجهه المشرق مرة أخرى للأصدقاء والأعداء». وقصارى القول إننا لا نبالغ إن قلنا إن المخيلة العنفية داخل المشهد السياسي الكردي، تترك عميق القلق حيال الثقة بالرخاء السياسي وعدم عودة العنف «الحزبي». ولهذا فكلما حدث نقاش أو سجال سياسي بين الأحزاب السياسية، أو ذُكرت الحرب الداخلية التي استمرت سنوات عدة في كردستان، ساد الناس الشعور بالخوف. ذاك ان الحرب انتهت من دون إنهاء أسبابها وأصولها. فعلى عكس اللبنانيين إذ يقولون «تنذكر وما تنعاد»، يقول الأكراد: ما تنذكر وما تنعاد. * كاتب عراقي