بات مؤكداً عدم سفر الرئيس السوداني عمر البشير إلى الدوحة للمشاركة في القمة العربية التي تستضيفها قطر نهاية الشهر الجاري، بعدما أفتت «هيئة علماء السودان» ب «عدم جواز» مغادرته البلاد، طالما أن هناك أحداً سواه يمكن أن يقوم بمهماته. واعتصم عشرات الأشخاص في الخرطوم أمس مطالبين بعدم سفر البشير إلى خارج البلاد مهما كانت المبررات. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن لجنة شكلتها الرئاسة من مستشاري البشير ومساعديه في الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية والعلاقات الخارجية أقرت عدم مشاركة البشير في قمة الدوحة «مراعاة لمصلحة البلاد العليا بسبب المخاطر المحتملة التي يمكن أن تحدق به، مما يدخل السودان فى أزمة غير مأمونة العواقب». لكن اللجنة الرئاسية رأت «أن يتم تقويم أي رحلة خارجية للبشير بطريقة منفصلة، أي أن الرئيس يمكنه أن يغادر لزيارة دولة أو المشاركة في مؤتمر أو قمة أخرى إذا اقتضت مصلحة البلاد ذلك». وأضافت المصادر أن اللجنة أطلعت على موقف قيادات الجيش والشرطة ومجمع الفقه الإسلامي التي نصحت بعدم سفر البشير في هذه المرحلة حفاظاً على البلاد ووحدتها وأمنها وصيانة سيادتها. وأعلنت «هيئة علماء السودان»، وهي أعلى سلطة دينية في البلاد، في فتوى صدرت ليل السبت - الأحد أنها ترى «عدم جواز سفر الرئيس لحضور مؤتمر القمة العربية في قطر في ظل الظروف الحالية التي يتربص بها أعداء الله والوطن بسيادته». واعتبرت أن «تعرض الرئيس إلى خطر محتمل هو تعريض للأمة كلها إلى الخطر». ورأت أن «الدواعي تضافرت على عدم جواز سفركم لهذه المهمة التي يمكن أن يقوم بها غيركم، وهي ليست من الواجبات العينية التي يأثم من تركها». وأوضحت الهيئة أنها أصدرت هذه الفتوى لأن «على العلماء البيان وإسداء النصيحة لأنه أمر يهم الأمة كلها، وشعبك في السودان خصوصاً، لأنك رمز هذه الأمة وولي أمرها وحادي ركبها». وأضافت: «لا يخفى عليكم أن الأعداء تتربص بكم وببلادكم وبدينكم. وقد أعلنوها صريحة وبلغت كل الأسماع، وهؤلاء القوم الكافرون لا عهد لهم ولا ميثاق ولا قيم ولا أخلاق يكيلون بمكيالين ويطففون في العدالة بميزانين، تدفعهم كراهيتهم للإسلام ولأهله، ساعين إلى وأد كل جهد وإسكات كل صوت يدعو إلى إعلاء كلمته وتحقيق وحدته». واعتبرت أن «خوف الأمة لا عيب فيه، وأخذ الحذر من كيد الكافرين سنة ماضية، وإعمال التبصر لرد كيد الأعداء من الضرورات، والفرار من قدر الله إلى قدر الله سنة معلومة». وأضافت أن «الخوف لدرء الخطر من فعل الله وأمره، وتفويت الفرصة على أعداء الله تعالى ببقائك داخل السودان ومع شعبك غيظ للكافرين». ودافع نائب رئيس «هيئة علماء السودان» الدكتور عبدالحي يوسف عن الفتوى. وقال إن الهيئة استندت فى فتواها إلى «أنه ليست هناك ضرورة لسفر البشير إلى خارج البلاد فى ظل وجود من يقوم بمهمته، كما أن العالم لا يحكمه منطق أو قانون، وإنما التعسف والقوة المادية والكيل بمكيالين»، مشيراً إلى تصريحات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو عن إمكان اعتراض طائرة البشير إذا غادر السودان، وقول الناطقة باسم المحكمة لورانس بليرون إنها «تعوّل علي تعاون قطر لتوقيف الرئيس السوداني». ورأى يوسف في تصريح صحافي أمس أن «تصرف الإمام والراعي مرتبط بالمصلحة والمفسدة... وسفر الرئيس في ظل هذه الظروف مفسدة ظاهرة». ورفض اعتبار فتواهم خلطاً للدين بالسياسة، وقال إن «الدين يحكم تصرف الرئيس والمسؤولين في الدولة»، مشيراً إلى أن فتوى هيئته «ليست ملزمة للحكومة... والمفتي مخطر وليس مجبِراً». وعن صمت هيئته إزاء ما يجري في دارفور، قال إن أعضاء الهيئة «تبرأوا من الدماء التي سفكت في دارفور وطالبوا بمعاقبة المسؤولين عن ذلك، ورفضوا الدعوة إلى العصبية والعنصرية، ودعوا إلى اصلاح ذات البين». وفي خطوة لافتة، خرج عشرات من أهالي حي عمر المختار «كوبر» في الخرطوم بحري، ثالث مدن العاصمة، مع بعض أقارب البشير في تظاهرة أمس ضد سفره. وعبروا راجلين جسر الجيش إلى الخرطوم على وقع هتافات مؤيدة للرئيس، قبل أن يدخلوا في اعتصام مفتوح في حدائق السلام في شرق العاصمة، احتجاجاً على سفره للمشاركة في قمة الدوحة. وأعلن المعتصمون، وهم من مختلف التيارات والقبائل التي تقطن حي عمر المختار، رفضهم سفر البشير. وطلبوا منه أن ينيب عنه أياً من نائبيه أو مستشاريه، كما دعوا القادة والحكام العرب إلى عقد قمة عربية في الخرطوم. ورددوا هتافات بينها: «لا لا للسفر»، و «أبداً أبداً لن نتهاون»، و «حماية البشير واجب وطني»، و «لن نفرط في البشير»، و «القرار قرار الشعب، وسلامة الرئيس سلامة الشعب». وناشدوا البشير التراجع عن موقفه المشاركة في قمة الدوحة وعدم تعريض نفسه والوطن إلى مخاطر. وفي السياق ذاته، قال مستشار الرئيس مصطفى عثمان إسماعيل للصحافيين أمس إن لجنة درست موضوع مشاركة البشير في قمة الدوحة ورفعت توصياتها إلى الرئاسة، لكنه لم يفصح عما توصلت إليه، موضحاً أن «الخطوة مرتبطة بتقديرات أمنية وسياسية ومصلحة البلاد العليا». وكشف أن حكومته تجري «تحركات خارجية واسعة» من أجل احتواء تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية توقيف البشير. وأوضح أن حكومته «حددت سقفاً أعلى يتمثل بسحب القرار من المحكمة وإعادته إلى مجلس الأمن الذي أحال عليها ملف دارفور، وفضح المحكمة وإلغاء وجودها باعتبارها عنصرية ومسيسة تستهدف الافارقة ودول العالم الثالث»، أما «الحد الأدنى، فهو عقد قمة أفريقية استثنائية يقرر فيها الزعماء سحب عضوية الدول الأفريقية التي صادقت على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، واستصدار قرار من القمة العربية المقبلة في الدوحة برفض تنفيذ قرار توقيف البشير». من جهة أخرى، أكد مساعد الرئيس الدكتور نافع علي نافع أن «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم «على قلب رجل واحد»، نافياً في شدة إشاعات عن انقسام بين البشير ونائبه في القصر الرئاسي والحزب علي عثمان محمد طه ووجود مجموعتين توالي كل منها إحداهما. ووصف ذلك بأنها «فرية طبخت في لندن ويرددها ببغاوات في السودان». وأقسم أن 13 منظمة اجنبية طردتها حكومته من دارفور لن تعود. وقال أمام لقاء نظمه أبناء النوبة في الخرطوم إن الحكومة «ماضية في طريقها ولن تعود الى الوراء»، وإنها في سبيل ذلك أحرقت «مراكب الرجعة»، موضحاً أن «الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا ومن تحالفوا معهم يسعون إلى حرف معركتهم مع الخرطوم من المحكمة الجنائية الدولية وتحويلها إلى معركة ذات طابع إنساني». وأضاف: «تسليم البشير من عدمه ليس همنا الآن لأننا اصلاً لن نسلمه، ولكن قضيتنا الأساس هي هزيمة الاستعمار وإذلال الأوروبيين وهزيمة الطواغيت، وأن تذهب محكمة الظلم الأوروبية إلى مزبلة التاريخ». وفي في ولاية جنوب دارفور، قالت السلطات أمس إن 34 شخصاً قتلوا و9 آخرين جرحوا في مواجهات قبلية السبت بسبب صراع على مورد مياه. وقال ناظر قبيلة الهبانية العربية بالوكالة جعفر علي الغالي في تصريح إن مجموعات من قبيلة الفلاتة شنت هجوماً مسلحاً على منطقة عفونة مستخدمة مدافع رشاشة، ما أسفر عن مقتل 28 من قبيلة الهبانية وجرح 3 آخرين. وذكر ناظر قبيلة الفلاتة بالوكالة يوسف السماني أن الأحداث دارت بسبب استطلاع مجموعات مسلحة من قبيلة الهبانية مورد مياه في منطقة النضيف. وأشار إلى أن مجموعة من الفلاتة تتبعت أثر قبيلة الهبانية، ما أدى إلى اشتباك أسفر عن مقتل ستة من قبيلته وإصابة مثلهم. وطالب السماني قبيلته بعدم الرد على الهجوم إلى حين ترتيب الأوضاع. وأفاد مركز إعلامي حكومي أن «حركة العدل والمساواة» المسلحة في دارفور «بدأت تحركات قرب الحدود السودانية - التشادية بدعم مباشر من نظام الرئيس إدريس ديبي»، بالتزامن مع إعلان رئيس الحركة خليل إبراهيم عدم مشاركته في الجولة المقبلة من مفاوضات السلام مع الحكومة في الدوحة، في حال عدم إعادة المنظمات الأجنبية التي طردتها الحكومة. وكانت وكالة «فرانس برس» نقلت عن رئيس المؤتمر العام للحركة أبو بكر القاضي أمس أن الحكومة القطرية طلبت من الحركة التراجع عن قرارها تعليق محادثات السلام مع الخرطوم ومواصلة العملية السلمية. وقال القاضي عقب اجتماعه مع وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية أحمد آل محمود: «طلبوا منا أن ننقل إلى الحركة رسالة مفادها أننا يمكن أن نحتج على هذا القرار من دون إيقاف العملية السلمية... وعدناهم خيراً، وسننقل هذا الطلب إلى قيادتنا في الميدان». لكنه وصف قرار الخرطوم طرد المنظمات بأنه «هدم روح اتفاق الدوحة». وقال إن «الحكومة ما زالت تتلكأ في موضوع الأسرى بحيث أنها لم تقدم قائمة أسراها الذين تعهدنا إطلاق سراحهم، فيما قدمت حركتنا قائمتها على الفور». وأكد المركز الإعلامي السوداني أن قوة من «العدل والمساواة» تحركت بقيادة التوم تورشين من منطقتي برك والطينة التشاديتين، ووصلت إلى مدينة أدري شرقاً على الحدود مع السودان، قبل أن ترتكز في منطقة أم صقر غرب أدري. ولم يستبعد أن تكون الحركة تنفذ تحركات عسكرية لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية تتوافق مع ضغوط غربية على الخرطوم. وأشار إلى «عمليات تجنيد قسري للاجئين والنازحين في المخيمات نشطت أخيراً، إلى جانب فتح مكاتب داخل تشاد لتسجيل المقاتلين توطئة للانخراط في مخيمات تدريب بإغراءات مالية كبيرة».