كنت دائماً أتجاوز أي اتفاق في الآراء مع القراء لأنني أعتبره تكراراً، وأركز على الاختلاف لأنه يوفر مساحة لعرض أفكار مختلفة وأحياناً متناقضة، غير أنني أكتشفت أخيراً أهمية إضافية للاختلاف بعد أن تحوّل بعض القراء من معارضين لهذا النظام أو ذاك الى عملاء لإسرائيل من دون أن يدروا. عندي مثل واضح، فقد قال صحافي اسرائيلي رافق بنيامين نتانياهو في اجتماعه مع الرئيس حسني مبارك إن الرئيس المصري حليف استراتيجي لإسرائيل، وأكمل صحافي اسرائيلي آخر في مقال عدّد فيه عشر نقاط تؤكد الحلف المزعوم. هذا كذب مفضوح هدفه الإيقاع بين مصر والعرب، وبين الرئيس المصري وشعبه، وقد أيدني بعض القراء وعارضني آخرون بتهذيب، ثم أجد رسائل الكترونية تزايد على «غوبلزات» اسرائيل في الكذب، ومن دون أن يدري كاتب الرسالة أنه وقع في الفخ، وصدق ما يريد له الاسرائيليون أن يصدق. وربما زدت أن الذي لا يجرؤ على توقيع رسالة لن يحاسب عليها أصلاً جبان. وأنا أكتب باسمي، وأقبل أن أحاسب، فلا أختبئ وراء عنوان بريد الكتروني يمكن تغييره كل يوم. القارئ أشرف القيار ليس جباناً فهو أرسل رسالة تحمل اسمه وعنوانه، إلا أنه مخطئ جداً، فهو انتقل من معارضة مصر الى تأييد اسرائيل بقبوله النقاط الاسرائيلية التي استهدفت أمثاله. هو يعود الى اتفاق الغاز مع اسرائيل، ولم يكن جزءاً من الموضوع، وشخصياً أريد إنهاء الاتفاق لأنه مع اسرائيل إلا أنني لا أعرف التفاصيل. بل إن القارئ يأخذ بعد ذلك جانب دول منابع النيل ضد مصر وهو يرى أن اتفاق دول المنبع السبع من دون مصر «نتاج طبيعي للسياسة المصرية الاستعلائية على افريقيا». هل هناك سياسة مصرية يوافق عليها؟ أقول للقارئ القيار أن يعيد النظر في موقفه فهو موقف اسرائيلي. القارئ خالد عبدالهادي من الأردن يكتب باسمه ورسالته مهذبة إلا أن لي ملاحظات عليها، فهو لم يجد حجة للرد على النقاط الاسرائيلية إلا بالعودة الى سنة 1982 ومقابلة في «جيروزاليم بوست» مع رئيس الوزراء الأسبق (الراحل) اسحق رابين عن اتفاق استراتيجي توصل اليه الرئيس أنور السادات مع هنري كيسنجر، لا أدري إن وجد فعلاً وما علاقته بما نحن فيه. وعندما يشير القارئ خالد الى الاتفاق وخلاف مصر مع حماس يجد ضرورياً أن يقول: «أرجو ألا أُتهم بأنني مؤيد لحماس...». أنا أؤيد حماس، إلا أنني أؤيدها كفصيل مقاومة ضد الإرهاب الاسرائيلي، ولا أؤيدها ضد مصر. وقد أيدت دائماً حزب الله ضد اسرائيل وسأظل أفعل إلا أنني اعترضت على انتهاك الأراضي المصرية في القضية المعروفة. والقارئ يناقشني في كلامي عن حلف تركي - مصري - سوري، ويقول كيف يقوم هذا الحلف، وسورية متحالفة مع ايران، وأقول إن الحلف ضد اسرائيل، ثم أرجو ألا يتوقع القارئ أن يرفع المتحالفون يافطة تقول «حلف ضد اسرائيل» لأن من شأن هذا إعطاء الفاشيست في الحكومة الاسرائيلية سلاحاً ضد دول الحلف، ومعلوماتي من القيادات المعنية، ولا أزيد سوى أنني لم أسحب يوماً كلاماً كتبته أو أعتذر عنه وعلى القارئ أن يقبل كلامي على هذا الأساس. كل ما سبق يتكرر في موضوع ايران وأرفض اطلاقاً قول قراء من معارضيها ان ايران في مثل خطر اسرائيل على العرب أو أخطر، وأقول لمثل هذا القارئ إن هذا كلام اسرائيلي وصاحبه يؤيد اسرائيل من دون أن يدري... يعني عيب عليه. أيضاً أرفض موقف أنصار ايران الى درجة أن تُنزّه عن كل خطأ وأن تُتهم الدول العربية بما تمارس ايران من أطماع عبر حدودها وسياسة عدوانية لا تفرق بين الجار المسلم والعدو الاسرائيلي. التطرف، إن في الموضوع الفلسطيني أو الاسرائيلي أو الإيراني، يرتد على صاحبه. وهناك قراء يختلفون معي كثيراً مثل أبو اسماعيل، وهو من أكثر القراء ثقافة واطلاعاً، إلا أنه يرد بما عنده ويفسح صدره للرأي الآخر، ومثله أيمن الدالاتي وعبدالنبي غنيم وسلوى حماد وفداء الفضل ومحمد المفتاح وغيرهم. أختتم بفائدة لغوية، فقد قررت أن أنهي كل زاوية عن رسائل القراء بشيء عن اللغة، وسأتوكأ في أكثر المنشور على «الحياة» و «الشرق الأوسط» اللتين رأست تحريرهما، وهما متوافرتان لي كل صباح في لندن. يوم السبت الماضي كان العنوان الرئيسي في «الحياة» يقول: «أجواء تشاؤم قبل زيارة لولا لطهران»، ويوم الاثنين التالي قال العنوان الرئيسي: «زيارة أردوغان طهران تؤشر الى تقدم...». «زيارة لولا لطهران» خطأ لأن الرئيس البرازيلي يزورها ولا «يزور لها»، والعنوان «زيارة أردوغان طهران» صحيح كما في الشرح السابق، وطهران في العنوانين مفعول به لزيارة. أكتب محاولاً أن أفيد القراء في موضوع نهتم به جميعاً هو سلامة اللغة العربية، وأنا أخطئ أحياناً مثل غيري، فلا أحد معصوم نحوياً، بل انني أحياناً أخطئ في كلمات سجلت الوجه الصحيح لاستعمالها في «كتاب الأسلوب» الصغير الذي جمعته، والموضوع فائدة لغوية لا «بَهورة» على أحد. [email protected]