فرض تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على خطة إصلاح نظام التقاعد، منحى جديداً على صعيد المواجهة الدائرة بين السلطة الفرنسية والمحتجين على هذه الخطة. وبعد إقرار البرلمان للخطة، يمهد تمريرها في مجلس الشيوخ بغالبية 177 صوتاً في مقابل 153 صوتاً معارضاً للمصادقة عليها نهائياً الاربعاء المقبل من قبل لجنة مشتركة تضم أعضاء في المجلسين، ثم إحالتها الى الرئيس نيكولا ساركوزي للتوقيع عليها. وكانت الحكومة الفرنسية تدخلت عبر وزير العمل إريك فورت لمطالبة مجلس الشيوخ باختصار مناقشاته للخطة والانتقال الى إقرارها، على غرار ما حصل خلال مناقشة البرلمان للخطة، ما أدى الى مشادات كلامية بالغة الحدة بين نواب اليسار المعارض ونواب اليمين الحاكم. وفرضت السلطات الفرنسية بالتالي معادلة جديدة على صعيد مواجهتها مع المحتجين الذين باتوا يعارضون قانوناً معتمداً من قبل الجهاز الاشتراعي وليس مجرد خطة مطروحة للنقاش. وأثار هذا الأسلوب الذي يسحب البساط من تحت أرجل الاتحادات النقابية ردود فعل ساخطة في أوساط المعارضة اليسارية. وصرح رئيس الوزراء السابق عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي بيار موروا، الذي أقر في عهده سن التقاعد عند 60 سنة عام 1982، أن الملف لم يغلق وهناك انتخابات آنية ويعود للشعب أن يدلي بحكمه من خلالها. وتقضي الخطة الحكومية برفع سن التقاعد الى 62 سنة، بهدف المساعدة في الحد من العجز القائم في موازنة صندوق التقاعد وتدارك إفلاسه. أما الأمينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين أوبري فحملت على الرئيس نيكولا ساركوزي واتهمته «بدوس الديموقراطية»، من خلال الأسلوب الذي اعتمده للتعامل مع الأزمة الاجتماعية الحالية. في غضون ذلك، استمرت الاضطرابات في حركة النقل في مدن عدة والشح في المحروقات، نظراً الى تواصل الإضراب في 11 مصفاة من أصل 12 للنفط. وانعكس ذلك سلباً على تنقلات الفرنسيين في فترة العطلة الدراسية التي بدأت الجمعة وتستمر عشرة أيام. واعتبرت المنطقة الغربية من فرنسا، خصوصاً بريتاني والعاصمة الأكثر تأثراً بشح الوقود الذي طال، بحسب وزارة الطاقة، اكثر من ثلث محطات توزيع الوقود (بين 35 و38 في المئة). لكن وزير الدولة للنقل دومينيك بوسيرو اشاد في تصريح إلى اذاعة «اوروبا 1» بالتزويد «الممتاز» لمحطات وقود شبكة الطرقات السريعة، التي تشهد اقبالاً كثيفاً في اول ايام العطل المدرسية، وتحظى محطاتها بأولوية في التزويد. وتحسن وضع نقل السكك الحديد، اذ سُيرت 8 من 10 قطارات فائقة السرعة (تي جي في)، واعتبرت حركة قطارات النقل الدولي عادية او شبه عادية. ولدى سؤاله عن وضع تزويد محطات الوقود ال 12300 في فرنسا، اقرّ بوسيرو باستمرار وجود صعوبات، مع تأكيده ان الوضع يسير نحو التحسن. وكانت الحكومة أعلنت اول من امس، ان 20 في المئة من محطات الوقود على الأقل لا تحتوي وقوداً، وأن عودة الأمور الى الوضع الطبيعي تحتاج الى ايام. وأصدرت السلطات الزاماً بالعمل في مصفاة «غران بوي» اهم مصدر لتغذية منطقة باريس بالوقود والمتوقفة منذ عشرة ايام. واعتبر رئيس الاتحاد الفرنسي لصناعيي قطاع النفط جان لوي شيلانسكي ان الإلزام بالعمل لا مفر منه. وبعد اسابيع من التعبئة الاجتماعية المدعومة بشكل واسع من الرأي العام، اظهرت استطلاعات الرأي ان الفرنسيين باتوا منقسمين، اذ على رغم ان 63 في المئة من الفرنسيين يعتبرون ان تواصل التحرك مبرر، يرى 56 في المئة ان النقابيين يجب ان يحترموا تصويت البرلمان، ووقف التحرك في حال تبنى البرلمان مشروع اصلاح التقاعد نهائياً. وأبقت الاتحادات النقابية على يومي التعبئة اللذين دعت إليهما في 28 الشهر الجاري والسادس من تشرين الثاني (نوفمبر) على رغم إدراكها، أن شروط ومتطلبات مقارنة قانون تمت المصادقة عليه تختلف عن الاحتجاج على مجرد خطة ومعارضتها. ومهما كانت الصيغة التي ستتبع للخروج من المواجهة وإعادة الوضع الى طبيعته، فإن الأزمة التي تسببت بها خطة إصلاح نظام التقاعد أظهرت وجود أزمة ثقة عميقة بين الفرنسيين واليمين الحاكم.