البند المتعلق بالمقاومة في بيان الحكومة الجديدة في لبنان، يتناقض مع مفهوم الدولة، إذ يحصر مسؤولية التحرير بالدولة من جهة، والحق في المقاومة بالمواطنين اللبنانيين من جهة مقابلة، ما يشي بصوغ لغوي لم يكن هدفه الحقيقي سوى جمع تناقضات نافرة، ما يؤسّس لتمديد الصراع العمودي حول هذا المفهوم الملتبس بين منطق الدولة الأحادية السلطة ومنطق المقاومة المستقلة عن الدولة. وتعود أسباب الخلاف بين فريقي النزاع على بند المقاومة إلى تمسك قوى 8 آذار التي يهيمن على قرارها «حزب الله» بثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة، المعتمدة منذ عام 2008 في البيانات الوزارية للحكومات السابقة، والتي تعطي الحزب حرية القرار والتحرك والشرعية لسلاحه، وإصرار قوى 14 آذار بأن يكون قرار الحزب وتحركه واستخدامه لسلاحه بمعرفة الدولة وموافقتها، لأنها بالنتيجة هي التي تتحمل تداعيات ما ينفرد الحزب بالقيام به. ومعلوم أن المقاومة الحقيقية هي التي تبقى سرية، وتعمل بمعزل عن الدولة تحقيقاً لأهدافها، بحيث تتحمل وحدها مسؤولية قراراتها وأعمالها. أما عندما تعمل المقاومة في العلن، وتشارك في السلطة، فعليها أن تخضع لما تقرره السلطة، ولا يحق لها أن تتخذ قرارات مهمة ومصيرية بمعزل عنها. وحيث أن «حزب الله» يشارك في السلطة فعليه الخضوع لقرارات الحكومة، من أجل تجنيب البلاد عواقب تصرفاته، كما حدث في حرب تموز 2006، عندما أقدم على خطف جنديين إسرائيليين من دون علم الحكومة اللبنانية القائمة آنذاك، وحمّلت إسرائيل يومها الحكومة اللبنانية المسؤولية عن عملية الخطف، كون «حزب الله» كان مشاركاً فيها، فلم تميز في ضرباتها بين مواقع الحزب ومواقع الدولة، فدمرت الجسور ومحطات الكهرباء وغيرها. ويعتبر البعض أن بند المقاومة في البيان الوزاري هو «هرطقة»، لأن الدولة تتكون من الأرض والشعب والمؤسّسات الدستورية المنتخبة من الشعب، وهي صاحبة القرار في الحرب والسلم، وتقع عليها مسؤولية حماية الوطن من أعدائه وإدارة شؤون المواطنين. والمقاومة في رأي القانون الدولي، الذي لا يميز بين المواطنين والشعب، حق للشعوب. وتفقد المقاومة صفتها عندما تصبح مجموعة مسلحة تستخدم سلاحها ضد مواطنيها، وتحاول الاستئثار بالقرار السياسي، والتدخل في شؤون الدول الأخرى. وينطبق هذا الأمر على «حزب الله» الذي فقد سلاحه وظيفته في مقاومة المحتل الإسرائيلي وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، نتيجة وجود القوات الدولية جنوب نهر الليطاني بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1701. ما دفع الحزب إلى توجيه سلاحه إلى الداخل اللبناني، يهدد به اللبنانيين ويستخدمه في غزو بيروت في أيار 2008 والتحكم بالدولة وقرارها الوطني. وليشارك في الحرب السورية إلى جانب النظام بذرائع واهية، من حماية اللبنانيين في القرى السورية المحاذية للحدود مع لبنان، والدفاع عن المقدسات الشيعية، ومنع التكفيريين من دخول لبنان، بينما الهدف الرئيس من مشاركته في الحرب السورية هو حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من الانهيار، تعزيزاً لموقع الحزب الإقليمي، وتلبية لأوامر طهران. وتدفعنا كل هذه الأمور إلى القول بأن «حزب الله» لم يعد حزباً مقاوماً، بل أصبح لاعباً رئيساً في السياسة الداخلية اللبنانية وله أجندته الطائفية، وجزءاً أساسياً في محور الممانعة الذي تتزعمه طهران. حققت قوى 14 آذار مكتسبات مهمة من حكومة الرئيس تمّام سلام، إذ أصبحت في دائرة القرار، بعد أن كانت خارجها ومهمشة في حكومة اللون الواحد التي كان يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي. ونجحت في إلغاء الثلث المعطل من الحكومة، وتحقيق المداورة في الحقائب الوزارية بين القوى السياسية، وإسقاط ثلاثية «حزب الله» الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة من البيان الوزاري، والتأكيد على حق الدولة في كل القضايا المتصلة بالسياسة العامة للبلاد، ما يطمئن الحفاظ على لبنان وحمايته وصون سيادته الوطنية، بينما نجح «حزب الله» وفريق 8 آذار في الاحتفاظ بمشروعية المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. والتزم البيان الوزاري أيضاً بتنفيذ قرارات مؤتمرات الحوار الوطني بما فيه ضمناً «إعلان بعبدا» الذي ينص على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، كما التزم دستور الطائف الذي يرعى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مراكز الفئة الأولى بالدولة، ويزيل هواجس المسيحيين من المثالثة بين الطوائف السنّية والشيعية والمسيحية التي كثر اللغط حولها في الأشهر الماضية، ومواجهة الإرهاب وحماية الحدود وضبطها وتسليح الجيش، والتحضير للانتخابات الرئاسية، والتمهيد للحوار الوطني لاستكمال النقاش في الاستراتيجية الدفاعية. * كاتب لبناني