عاد تشارلز داروين، عالم البيولوجيا التطورية الذي وُلِد في مطلع القرن التاسع عشر وتوفي في آخره، ليقلق العِلم مُجدداً، خصوصاً بالنسبة إلى نظريته عن وجود جذر مشترك للظواهر الحيّة كافة. ويبدو أن جامعة «برانديس» Brandeis في ولاية ماساشوستس قررت أخيراً، تجديد النقاش الذي لم يخمد منذ عرض داروين نظريته الشهيرة عن النشوء والارتقاء في كتاب «أصل الأنواع» قبل قرابة 150 سنة. ونشرت الجامعة تفاصيل أول دراسة موسّعة تعتمد على فحوص جينية، معتبرة أنها تقدّم معطيات كمية (وليس وصفية) تساند آراء داروين. والمعلوم انه خلال القرن ونصف القرن المنصرمة، ظهرت الكثير من المعطيات الوصفية التي تفاوتت الآراء حولها، خصوصاً تلك التي تراكمت منذ خمسينات القرن العشرين، عن وجود أشكال «هجينة» تعطي الانطباع أحياناً بأنها تمثّل تدرّجاً في تطوّر الثدييات العليا. ولم تؤد تلك الاكتشافات، مثل اكتشاف القردتين «لوسي» و «أردي» والعظاية «عايدة»، إلا إلى تسعير الخلاف عن تلك النظرية التي لم تتوقف يوماً عن كونها خلافية! ومثلاً، قرأ بعض العلماء تلك الأشكال المتداخلة بين الأنواع باعتبارها دليلاً على وجود أصل مشترك، وخالفهم في تلك القراءة علماء رأوا ان أشكالاً مختلفة من الكائنات الحيّة ظهرت في شكل مستقل، ثم تداخلت مع بعضها، ما شكّل نوعاً من الشبكة المتداخلة للحياة على الأرض. وعندما تراكمت معطيات الجينات، تبيّن أن بعض الكائنات الحيّة «تتبادل» الجينات مع كائنات اخرى، من دون ان يعني ذلك تزاوجاً وتناسلاً بالضرورة، ما اعتبره البعض تأييداً لنظرية شبكة الحياة المتداخلة. وقاد البروفسور دوغلاس ثيوبالد، الاختصاصي في الجينات، فريقاً علمياً استعمل وسائل المحاكاة الافتراضية للكومبيوتر، لجمع المعلومات الكثيفة عن التركيب الجيني للكائنات الحيّة، ومقارنتها وتتبع خيوطها المتشابكة. وتوصل ثيوبالد الى تأييد وجود جذر مشترك للكائنات الحيّة، مهما بلغت كثافة عملية تبادل الجينات بين أنواعها. وتميّزت هذه الدراسة بأنها عقدت مقارنة بين بيانات التركيب الجيني للأنواع التي تنتمي الى الجذور الثلاثة الأولى جينياً للحياة، أي الأوكاريا والبكتيريا والأرشيا. واستطاعت عزل 23 بروتيناً مشتركاً بينها. والأرجح ان تثير هذه الدراسة خلافات في قراءتها، ربما أكثر مما حدث سابقاً.