«تبهدّلنا» بهذه الكلمة المحكية في اللهجة السورية والتي تشير إلى وضعٍ معيشي صعب، يرحب سيبان فاضل بأصدقائهِ، وهو كردي سوري (25 سنة) كان يعمل في مختبرٍ للتصوير الفوتوغرافي قبل أن يقرر الهجرة الى خارج سورية، ويستقر في مدينة دورتموند الألمانية. يتحدّث فاضل عن بداياته مع التصوير الضوئي قائلاً: «التفاصيل التي عشتها خلال صغري كمساعد لعمّي في استديو للتصوير، دفعني لحبّ الإخراج، الّذي أعمل فيه الآن، وأتمسّكِ به مثل طفلٍ يمسكُ بتلابيب فستان والدتهِ». وكان فاضل الذي «ترك سورية خلف ظهرهِ» كما يقول، درس مدة سنتين في المعهد الأميركي بالعاصمة السورية في قسم التصميم والمونتاج الإعلاني والسينمائي، وهو يتجول في شوارع ألمانيا الآن، بصحبة كاميرته، لالتقاط الصور والفيديوات التي يقوم بتحوّيلها إلى قصص قصيرة، بعد الانتهاء من صفوف اللغة الألمانية. ويقول» أقرأ الكتب، وأكتب القصص القصيرة التي تمسّ واقعي، والمعاناة التي يعيشها شعبي، لأحولّها إلى سيناريوات مصوّرة، وكذلك لأتغلب على الفروق بين البيئة السورية والبيئة الألمانية». وساهمت الهجرة السورية نحو الخارج نتيجة الظروف التي تشهدها البلاد، وكذلك النزوح الداخلي من مدينة إلى أخرى، في تغيّير بيئة المبدعين والموهوبين، الأمر الّذي يفرض عليهم قوانين جديدة، كتعلم اللغة في البلدان الأوروبية ومواجهة صعوبات التأقلم في مجتمعاتها، أو التغلب على ظروف مادية وأمنية صعبة داخل سورية وخارجها. «المعاناة مستمرة في كلّ مكان» يقول فاضل، ويضيف «أحرم نفسي من أشياء كثيرة، لأتمكن من تحقيق طموحاتي في الإخراج». وتكاد تكون ظروف غالبية الموهوبين والمبدعين مشابهة لبعضها بعضاً، فالفنانة أيلم أحمد، وهي فنانة كردية سورية من بلدة عين ديوار(19سنة)، تغني من الفولكلور الكردي وتعزف على آلة الغيتار. تقول «عندما يغيّر الإنسان مكان إقامته مجبراً فذلك يؤثر في نفسيته». وتتابع أحمد التي وصلت الى ألمانيا منذ سنة وخمسة أشهر مع عائلتها، قولها «أشتاق إلى بلدي كثيراً، لكنني هنا أقدم أمسيات فنية يحضرها الألمان أيضاً، كي يتعرفوا على ثقافة الشعب الكردي التي بقيت مخفيّة». وتضيف «الفن يعيش في داخلي، فلا أوروبا ولا أي مكانٍ آخر، يستطيع أن يحرمني منه». وتحاول أحمد مساعدة اللاجئين السوريين والأفغان وغيرهم في مخيمات اللجوء عبر تقديم خدمات مجانية في الترجمة، لإتقانها اللغتين الإنجليزية والألمانية، وتعمل بالتزامن مع ذلك على تأليف أغنية كردية عن المرأة مع مجموعة من الفنانات الكُرديات، استعداداً لأعياد النوروز، وهو العيد القومي للكُرد الذي يحتفلون به في 21 آذار ( مارس). ولا تختلف ظروف هؤلاء الموهوبين بعد هجرتهم عن أقرانهم في الداخل السوري، سيما أن الصعوبات المادية وغياب الدعم تبقى العائق الأساسي، «وهذا ما يؤثر سلباً في مشوارهم مع الإبداع» كما يقول كاوا حسين (26 سنة) وهو مغنٍّ في الفرق الشعبيّة، يعيش في بلدة عامودا الكردية شمال شرقي البلاد. ويقول حسين «لقد تعلّمت الغناء الشعبي منذ صغري، وعندما كنت أرافق أصدقائي إلى المدرسة، كنت أحضر قطعة خشبية وأربط عليها أوتار وأجعل منها «الطمبور» وهي آلة موسيقية كردية، لأبدأ بالعزف عليها، ولهذا أحبّبت الغناء والموسيقى». ونتيجة الوضع المادي المتردي الذي كانت تعيشه عائلة حسين، ترك الدراسة ولجأ للعمل في صالونٍ للحلاقة الرجالية في بلدتهِ، لتأمين قوته اليومي ما اثر سلباً في تطوره الفني. أما ريباز جولي (20 سنة)، وهو عازف بزق وصديق حسين، فيشكو أيضاً الظروف المالية القاهرة، وهو يعمل في مهن متفرقة وفي شكل دائم لتأمين لقمة العيش لعائلتهِ من دون أن يفقد الأمل من إبداعه. ويقول جولي «على رغم الظروف كلها، إلا أنني أسعى بكل طاقاتي، لأبقى عازفاً، كي أقدم موهبة جميلة لمدينتي، ولنفسي أيضاً». وكان جولي، أضطر لترك الدراسة في الصف الثالث الثانوي، لأسباب خاصة، لكنه يبدي رغبته دائماً في المشاركة بالمهرجانات الكردية والحفلات الموسيقية، كما يقول. ويتفق جولي وصديقه حسين على فكرة البقاء في الداخل السوري، ويرفضان الهجرة، ويحلمان بتقديم المزيد من المواهب لبلدهما وشعبهما، وينتظران معاً انتهاء الصراع الذي تشهده بلادهما.