بضع ساعات فقط كانت فاصلة بين حياة تملؤها الهمّة والنشاط، وموت جاء ليقطع كل ذلك الاجتهاد والعمل، فهكذا هي المنيّة دوماً تحلّ حاملة معها السمة الفجائية التي لا تميّز مكاناً ولا زماناً. ختم الطيّار السعودي وليد المحمد حياته وهو يؤدي عمله محلّقاً في سماء الرياض، وموشكاً على ملامسة أرضها بعد أن أقلّ من محافظة بيشة على متن طائرة الخطوط السعودية ركاباً أرادوا الوصول إلى أسرهم وأعمالهم ليل أول من أمس، وأثناء ذلك كانت مداهمة الأزمة القلبية، التي لم تمهله كثيراً من الوقت على مغادرة الحياة. ولأن الموت لا يعرف سلامة أو مرضاً، فقد كان وليد المحمد في كامل عافيته لا يشكو من أي أعراض صحيّة تعوقه عن التحليق في الجو وأداء المهمّة التي امتهنها أعواماً عدة، فبعد أدائه صلاتي المغرب والعشاء قبل استعداده للإقلاع إلى محافظة بيشة، أراد ممارسة لطفه الذي اعتاده منه زملاؤه عندما اشترى قطعاً من الكعك له ولطاقم الطائرة الذي سيرافقه. ولم تختلف رحلة الإياب إلى الرياض عن رحلة الذهاب منها، إذ كان يؤدي عمله القيادي بصورة طبيعية كما اعتاد، حتى قبيل الهبوط. وتوضّح المصادر ل«الحياة»، أن اللحظات الأخيرة للكابتن وليد، وضعت طاقم الطائرة أمام تحدٍ يتمثّل بالاهتمام بزميلهم والعمل على إنعاشه، وفي الوقت ذاته عدم إشعار الركاب بوجود حالة طارئة تجنّباً لإرباكهم. وتضيف: «أدى المحمد صلاتي المغرب والعشاء مع زملائه أسفل الطائرة في مطار الملك خالد الدولي، ثم أقلع متجهاً إلى مطار بيشة، وفي رحلة العودة إلى مطار الرياض وتحديداً قبيل الهبوط، أصيب بأزمة قلبية مفاجئة، ما دفع إلى إخراجه من قمّرة القيادة ليواصل مساعده رامي بن غازي الرحلة، وأعلن حال الطوارئ المتعارف عليها عالمياً في مثل هذه الظروف». وعلى رغم المحاولات المتواصلة للقيام بالإنعاش الرئوي لكابتن الطائرة وعمل صدمات كهربائية له من مشرف الرحلة وأحد ركابها من الممرضين السعوديين الذين تقدّموا بعد إعلان وجود حالة تتطلّب الإسعافات من دون الإيضاح بأنه الكابتن، إلا أنها لم تُجدِ نفعاً، حتى تقدّمت فرق الهلال الأحمر السعودي التي كانت في انتظار هبوط الطائرة وأعلنت أن وليد المحمد فارق الحياة إثر أزمة قلبية.