نساء مصر منقسمات فرقاً وفئات ومجموعات، بعضهن لا يعتبر المسألة مهمة أو الإهانة قضية، وبعضهن الآخر يتردد في شأن ردّ الإهانة بالتصعيد، لأن المرأة تظل مسكينة مهيضة الجناح، أو لأن تلك التي تتعرّض للإهانة حتماً فعلت ما يدعو إلى ذلك. وفريق ثالث من النساء يتوعّد من يغامر أو يحاول أو حتى يلمّح بالإهانة، ليس فقط بالتصعيد والتهديد والوعيد، بل برد الإهانة إهانتين، وإن لزم الأمر ردّ الحق بالقوة. قوة الإعلام بين عنكبوتي «إلكتروني» ورسمي «تكمن» في إشعال الشارع المصري اهتماماً وغضباً، وفي أقوال أخرى قرفاً وكمداً، وثالثة صدمة وسكوناً. حالة السكون والسكوت التي تلقت بها مجموعة النساء المتكدّسات في داخل عربة مترو الأنفاق المخصصة للسيدات، لم تكن نابعة من هدوء نفسي أو سكينة عصبية، بل كانت تحت ضغط الصدمة وتحسّباً لما هو آت، فقد فتحت إحداهن الحلقة النقاشية بالتعليق على خبر أولى جلسات محاكمة المدوّن تيمور السبكي بتهم نشر أخبار كاذبة والإضرار بالمصلحة العامة للبلاد وتكدير الأمن والسلم العام، وذلك لأنه سبّ سيدات مصر وقذفهن، بقولها «يستحق وإن شاء الله يسجن. ستات مصر جدعان (قويات)». «جدعنة» ستات مصر التي ظن السبكي أنه وضعها على المحك حين قال في برنامج تلفزيوني إن رجال محافظاتالمنيا وسوهاج وأسيوط وقنا مطحونون في العمل، وإن ظاهرة الخيانة الزوجية منتشرة لا سيما بين زوجات العاملين في الخارج، وإن 30 في المئة من السيدات في الصعيد لديهن استعداد للخيانة، عبرت عن نفسها بغير طريقة. منهن من خبطت (ضربت) على صدرها وقالت «يا لهوي»، ومنهن من تفوّهت بألفاظ تعكس ردّ الإهانة بضعفها، ومنهن من أعلنتها صريحة، مؤكدة أنهم لو مكّنوها منه (السبكي) لجعلته عبرة للقاصي والداني. لكن منهن أيضاً من عكست ملامح وجوههن كثيراً من الضجر وبعضاً من الاستخفاف حيث إن «الكلام مجاني ولو حوكم كل مواطن على ما يتفوّه به من سخافات لعجزت ساحات القضاء عن استيعاب ملايين». الأكيد أنها المرة الأولى التي يجاهر فيها أحدهم على أثير الفضائيات التي يتابعها ملايين، ويتابع ردود أفعال ما يرد فيها ملايين أخرى بعد نشرها على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية بإهانة قطاعات بكاملها من النساء. وهي ليست إهانة عادية متعارف عليها، حيث اتهامات مرسلة بسوء القيادة، أو ضعف الإرادة، أو تغليب المشاعر على الوقائع، أو تحكيم المنطق بعيداً من العواطف، بل إن الإهانة توجهت مباشرة إلى الشرف حيث الخيانة الزوجية. وهي أيضاً المرة الأولى التي يتحوّل فيها رأي شخصي أو موقف فردي (على رغم أنه استعان بنسب مئوية وهمية) إلى قضية رأي عام تتبنّى فيها النساء موقفاً عاتياً، ويعتبره بعض الرجال إهانة شخصية موجهة إليهم. ويتحوّل الأمر برمته من كلام سخيف قاله شخص حوّله الإعلام المرئي من مدوّن يكتب ما يشاء على مدوّنته، إلى شخصية عامة يتحدّث عنها الجميع إما دفاعاً عن النساء، أو دفاعاً عن شرف الرجال باعتبارهم «الوكيل الرسمي لشرف النساء». الناشطة الحقوقية النسوية أماني جميل تقول إن الهوجة التي حدثت عقب الكلام «السخيف والمرسل» الذي تفوّه به السبكي لا يمكن تعليلها بالدفاع عن النساء، أو الغضب مما لحق بهن من إهانة. لكن مرجعها شعور الرجال بالإهانة الشخصية الموجّهة لهم (على الأقل من عبّروا عن غضبهم)، و «وذلك لأن شرف المرأة مختزل في مسألة العلاقات الجنسية، وليس كرامتها أو شخصيتها أو حريتها أو حتى إنسانيتها. والطعن في شرف المرأة من المنظور الثقافي هو في حقيقة الأمر طعن في شرف الرجل، إذ إن المرأة لا تمتلك شرفاً مستقلاً قائماً بذاته، بل لا يزال في عهدة الرجل». الرجال الذين ملأوا أثير الإعلام وملفات المحاكم غضباً ومطالبات بتوقيع أقصى عقوبة على السبكي، حصروا كلماتهم الغاضبة ومفردات قضاياهم المرفوعة ضده في مسائل تتعلّق بالدفاع عن شرف نساء الصعيد، إذ استطردوا في سرد مناقب المحافظات على شرف أسرهن وأزواجهن، واستفاضوا في شرح مكانتهن في قلب الأسرة الصعيدية، والاستغراق في نعت كل من يحاول الطعن في شرفهن ب «عديم الشرف»، و «الذي تعرّض على الأرجح لخيانة زوجية»، و «المتوجّب عليه النظر إلى سير أهل بيته أولاً وسلوكهم». ولم تغضب النظرة الذكورية العارمة لهوجة تيمور السبكي أحداً، أو تقلق جمعية حقوقية، أو تشغل بال منظمة نسوية، باستثناء جمعيات صغيرة تنشط غالبيتها في صعيد مصر. وقد عبّر هذا الانشغال عن نفسه ببيانات غاضبة وتصريحات حانقة على السبكي، تحوّل معظمها إلى وصلة من الردح ومعزوفة من ردّ الإهانة بالإهانة. فهذا اتحاد نسائي يوجّه رسالة إلى السبكي عنوانها «نساء مصر أشرف منك»، وهذه جمعية أهلية تتحداه «لو راجل تعالى»، وتلك جمعية تسأله: «وهل ترضى مثل هذه الاتهامات على نساء بيتك؟!». نساء بيت «المتهم» ونساء بقية البيوت المصرية، سواء في الصعيد أو الوجه البحري أو المحافظات النائية أو المدن الكبرى، سلّط الضوء عليهن. وعلى رغم الهالة الإعلامية التي يتم من خلالها التعامل مع «الإهانة» باعتبارها إهانة لنساء مصر، إلا أن واقع الحال وحقيقة الثقافة السائدة ومعالم الأولويات المفروضة تؤكد أنها هبةّ ذكورية في الأساس صادف أن مكوّنها أنثوي.