يشعر بعضهم أن الإعلام المرئي خرج من طور إعلام الصدمة والخضة واللطمة إلى إعلام ما بعد الصدمة. فالفرقعات حين تخفت، والفضائح حين تسكن، والحرائق حين تخمد، تحتاج من يشعلها ويبقي عليها كذلك أطول فترة ممكنة. وليس هناك ما هو أحمى أو أضمن من الخوض في قضايا النساء والشرف لضمان اشتعال الشاشة وانغماس الساسة واهتمام القاصي والداني، وذلك لحين خفوت الفضيحة أو انقشاع المشكلة وظهور أخرى لإبقاء حرارة الشاشات، ومن ثم التصاق المشاهدين، وضمان المعلنين. وحين أعلن المذيع أنه سيناقش في حلقته المسائية كارثة تيمور والفضيحة المدوية والأزمة المشتعلة وشرف نساء مصر الذي ينبغي الدفاع عنه، سرت قشعريرة في أبدان المتابعين. منهم من جذبته كلمة «كارثة»، ومنهم من أعجبته صفة «فضيحة»، ومنهم من استعدت حواسه لمتابعة الأزمة لا سيما أنها تتعلق بشرف النساء، لكن الجميع اتفق على طرح سؤال واحد لا ثاني له: «من يكون تيمور؟» تيمور السبكي كان واحداً ضمن ملايين ممن يكتبون ويدونون على «فايسبوك». له متابعون وكارهون، لكنه لم يحظ أبداً بمقدار الاهتمام أو جل الانتباه الذي «ينعم» به هذه الأيام. اتشحت مصر بألوان «تيمور السبكي» بين فقرة فضائيات وضحاها. تحولت البلاد إلى شعلة غضب ناقمة على كلمات تمس شرف النساء، وكتلة تهديد ووعيد ترفع الفضيلة بيد وشريعة الغاب باليد الأخرى. ولم يعد لدى العباد من شغل شاغل سوى شخص خرج من ظلمات الشبكة العنكبوتية إلى أضواء القنوات الفضائية متهماً نساء مصر، لا سيما صعيدها، بأن نسبة كبيرة منهن تخون الأزواج غير مرة، وأنهن ينظرن إلى الزواج باعتباره «بيزنيس»، فيتزوجن مرات من أجل الحصول على شقة أو مكسب هنا أو هناك. السبكي الخارج لتوه من عتمة صفحته «زوج مطحون» العنكبوتية لم يتخيل أن ما أدلى به في كلمات في فقرة– كان يفترض أن تكون خفيفة ظريفة - في برنامج «ممكن» الذي يقدمه الإعلامي خيري رمضان، ستتحول الى هلع وترويع. لكنّ ما يبدو ترويعاً لبعضهم حيث رسائل تهديد بالقتل ودعاوى تطالب بالحبس وتحريض يدعو للقصاص والانتقام والثأر، هو بكل تأكيد فرص ذهبية ينبغي استثمارها والدق على أوتارها، بعدما لوحظ في الآونة الأخيرة فتور لدى المتلقي وعزوف بين المشاهدين حيث كلل وملل من الأوضاع العربية الكارثية، وضجر وسأم تجاه الأوضاع المحلية المتشابكة، وعودة واضحة لملفات كرة القدم الغائبة وكذلك قنوات الأفلام والمسابقات الساكنة. وعلى رغم أن الاستضافة الأصلية في برنامج رمضان لم تسفر عن هرج ومرج كبيرين أو تهديد ووعيد رهيبين (باسثتناء تعليقات بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها إلى صفحات المواقع الخبرية)، إلا أن كلماته المستفزة وتلويحاته الماسة بالأعراض كانت أشبه بالجزرة التي جذبت الآخرين. ومن مداخلة هاتفية في هذه القناة، إلى مشاركة فعلية في تلك، ومنها إلى عرض مالي مغر للظهور في مناظرة أمام «رجال الصعيد»، جال تيمور السبكي بين عشرات القنوات، في البداية مؤكداً أن كلامه حقيقة، ثم متراجعاً ملوحاً بأنه ربما لم يكن دقيقاً، وبعدها متأسفاً معرباً عن بالغ حزنه لما قال وفعل، وأخيراً مؤنباً نفسه ولائماً لسانه لما تجرأ على قوله، مبدياً أشد الندم وكل الأسف. وعلى رغم جولات الأسف الليلية وقرار وقف برنامج رمضان ل 15 يوماً (كنوع من الأسف أيضاً)، إلا أن مصر كلها تتحدث عن تيمور وشرف نساء الصعيد وكأنها قضية من قضايا الدعم الحكومي، أو الأمن القومي، أو رغيف العيش وسندويتش الفول. وعلى رغم أن تيمور ورمضان والمتكسبين من الفقرة الأصلية والقائمين على أمر القنوات الفضائية ومعهم قوائم بالمحامين الذين انبروا يدافعون عن شرف سيدات الصعيد ويصبون النيران على دعوات بعضهم بالقصاص من صاحب الصفحة الخارج لتوه إلى نور الفضائيات الوهاج، يعلمون أن الأمر لا يعدو مجرد كلمات هوجاء وخطوات غير محسوبة ومشاعر مندفعة نحو الظهور الإعلامي من دون حساب للعواقب، إلا أن الهوجة مستمرة والتوليع لا يتوقف. والأمثلة كثيرة، حيث مذيع يؤكد بعد مقدمة طويلة أنه ليس طرفاً في الأزمة لكن يسعى للتهدئة، وآخر يشير إلى أنه يؤمن بصدق النوايا وحسن التفكير، وثالث يحذر من أن الصخب الدائر أشبه بإشعال حرائق لا يمكن السيطرة عليها لاحقاً، ورابع وخامس وغيرهم تجمعهم مقدمات طويلة عن المهنية الإعلامية والمصداقية التلفزيونية وأمانة الكلمة لا سيما في مثل هذه الأوضاع الدقيقة التي تمر بها مصر والعالم العربي، يمضي الجميع ساعات وساعات في مزيد من إشعال الأزمة وإذكاء النيران واستقبال المكالمات والمشاركة بالرسائل بجنيه ونصف للدقيقة. الدقائق الكثيرة التي تنكب فيها الفضائيات على صناعة حدث من لا شيء، واختلاق قضية قومية من عتمة الشبكة العنكبوتية، والصولان والجولان في كواليس الإشعال الذاتي لقضايا ذات حساسية كبيرة في مجتمع يمر بمرحلة دقيقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً قد تؤدي إلى أرباح خيالية من المعلنين، ومشاهدات مليونية من المصريين، ومتابعات دولية، لكنها تبقى في نهاية اليوم وقتاً ضائعاً وهماً طاغياً وسؤالاً مزمناً حول سبل تنظيم الإعلام ومواثيق العمل وأخلاقيات المهنة. خرج «تيمور» من العتمة ودخلتها الفضائيات.