تعرضت أسواق الصرف العالمية أخيراً لهزة مالية، نتيجة الخلل الذي أكسب الفرنك السويسري قوة غير مألوفة. إذ كان اليورو يعادل 1.2 فرنك سويسري لفترة تجاوزت ثلاث سنوات. لكن عندما بدأت قيمة الفرنك تساوي اليورو تقريباً، جعلت المعادلات الاقتصادية المحلية تترنح تحت وطأة المستقبل المجهول. ويذكر أن المصرف المركزي السويسري يجد يومياً ضرورة شراء كميات ضخمة من اليورو، لتخفيف حدة قوة العملة الوطنية أمامه، وهو أمر بدأ «يُتعب» الجميع في سويسرا. ويتحرك البنك المركزي السويسري في اتجاهيْن لكبح قوة العملة الوطنية، التي بدأت تؤثر حتى في الصادرات غير المتعلقة بالساعات والمنتجات الفاخرة، التي طالما اشتهرت سويسرا بتصنيعها. ففي الاتجاه الأول، يُلاحظ عزم المصرف المركزي المضي قدماً في سياسة شراء كميات ضخمة من اليورو، من دون تقرير مستقبل هذا الاتجاه. ما يعني وجود نوع من «العشوائية» غير المقلقة بعد، دفاعاً عن عملة وطنية وقعت ضحية مضاربات دولية أقوى من قدرات «المركزي» السويسري الضخمة. ويكفي النظر مثلاً، إلى المخزون المالي للمصرف البالغ 560 بليون فرنك سويسري نهاية العام الماضي، ما يمثل 90 في المئة من الناتج القومي. وعلى رغم ذلك، لم ينجح في السيطرة على قوة الفرنك، الذي يحوم حول مستوى 1.09 فرنك لليورو حالياً. ورأى باحثون في المعهد الاقتصادي الوطني، أن مرحلة الهجوم التي خطط لها الاقتصاد السويسري، المتمثلة بمنافسة المنتجات غير الوطنية في الأسواق الدولية، أضحت شبه مشلولة، وهو في مرحلة دفاعية فاقت التوقعات. صحيح أن قيمة الفرنك قوية، لكن سويسرا وعلى رغم تراجع صادراتها، لم تدخل في مرحلة الكساد الاقتصادي، بل على العكس توقع محللون في جامعة زوريخ، أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5 في المئة هذه السنة. وصحيح أن قطاعات الصادرات والسياحة وغيرها أُصيبت بانتكاسة خفيفة العام الماضي، إلّا أن صادرات السلع والخدمات العالية الجودة، ساهمت في موازنة الضربة التي أصيبت بها تجارة سويسرا الخارجية. ولم تشهد سويسرا حتى الآن تباطؤاً في حركة استهلاك السلع الداخلية، إذ زوّد الفرنك القوي المستهلكين المحليين أكثر من حافز للإقبال أكثر من أي وقت، على شراء السلع المستوردة الرخيصة نظراً إلى قوته. يُذكر أن شركات مصدرة حفرت لنفسها خندقاً دفاعياً لا يزال صامداً بعد، إذ تقلصت هوامش الربح لديها من جهة، لكنها راهنت على بارومترين ناجحين هما الإبداع والتنويع، لتسويق منتجاتها في الخارج.