تسابق «مركز التنسيق لوقف العمليات القتالية» التابع للجيش الروسي في القاعدة العسكرية في اللاذقية من جهة و «غرفة العمليات العسكرية» برئاسة «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (سي آي إيه) للوصول إلى عقل قادة الفصائل المقاتلة المعارضة وقلبها للحصول على موافقتها على الهدنة الموقتة قبل اقتراب موعد إعلان موقفها ظهر اليوم (الجمعة) استعداداً لتنفيذ الاتفاق ليل الجمعة - السبت. وفي وقت تسارعت العمليات على أرض المعركة، يُتوقع قيام فصائل صغيرة بتغيير تحالفاتها، فيما قررت «جبهة النصرة» - المستثناة مع «داعش» من اتفاق الهدنة - إخلاء بعض القرى في ريف إدلب، لتجنيبها ضربات جوية متوقعة. ويتوقع أن يدعو المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى استئناف المفاوضات بين ممثلي الحكومة والمعارضة في جنيف في 7 آذار (مارس) المقبل، بعد اجتماع مجموعتي العمل الخاصتين لوقف العمليات والمساعدات الانسانية المنبثقتين من «المجموعة الدولية لدعم سورية» في جنيف اليوم. فماذا يحصل لدى اتصال قادة فصائل معارضة ب «مركز التنسيق» الروسي الذي يضم 50 عنصراً في قاعدة اللاذقية؟ يجيب على الهاتف شخص روسي يطلب التحدث باللغة العربية، ويشرح المطلوب من قادة الفصيل «كي يُشمل في اتفاق وقف النار» ويحصل على «حصانة ويتجنب قصف الحكومة الروسية والسورية». وحصلت «الحياة» على نموذج الاتفاق الذي يقع في صفحتين وبعثه المركز الروسي الكترونياً إلى قادة بعض الفصائل. يبدأ بتعريف القيادي عن نفسه وما إذا كان «قائد مجموعة وقائد فصيل وزعيم منطقة»، ثم يقر بالآتي: «أعبّر عن جاهزيتي بالانضمام إلى التسوية السلمية للصراع المسلح في الجمهورية العربية السورية، وأضمن أن المرؤوسين التابعين لي، واعتباراً من الساعة 0.00 يوم 27 شباط (فبراير) 2016 بتوقيت دمشق، جاهزون للتوقف عن مقاتلة الجيش العربي السوري والتوقف عن رمي المدفعية أو أي مصدر ناري آخر، وأضمن الدخول الآمن للمجموعة التي تراقب وقف إطلاق النار إلى المنطقة التي يسيطر عليها تنظيمي، وعدم عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة التي أسيطر عليها». في المقابل، يحصل الموقّع بعد تعهده ب «تطبيق ما سبق مني ومن المرؤوسين التابعين لي»، على أن «يتوقف الجيش العربي السوري عن استهداف المنطقة التي أسيطر عليها اعتباراً من 0.00 يوم 27 شباط بتوقيت دمشق، سواء بالمدفعية أو أي مصدر ناري آخر، وتوقف استهداف الطيران السوري أو الطيران الروسي خلال فترة وقف إطلاق النار على المنطقة التي أسيطر عليها، وعدم إعاقة نظام وقف إطلاق النار لتقديم المساعدات الإنسانية للمنطقة التي أسيطر عليها، وأن يشارك ممثلون لي في مجموعات مراقبة وقف إطلاق النار». وفي حال حصول «اختلاف وانتهاك وقف إطلاق النار، وعند حصولي على ما يُثبت»، فإن الموقّع سيقوم ب «الإبلاغ عن ذلك إلى مجموعات مراقبة وقف إطلاق النار المحلية ومجموعات المراقبة الأخرى». ويطلب الاتفاق، الذي عزز بتسليم روسيا الجانب الأميركي معطيات «الخط الساخن» بين الطرفين، إرسال ملحقات تتضمن «خريطة المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم» وقادة المجموعات والمناطق التابعة له عبر الفاكس أو البريد الالكتروني إلى «مركز مصالحة الأطراف المتحاربة في الجمهورية العربية السورية في مطار حميميم». ترغيب أميركي... وحذر في المقابل، بعث مسؤولو «غرفة العمليات العسكرية» في تركيا والأردن التي تضم ممثلي أجهزة استخبارات مجموعة «اصدقاء سورية» برئاسة «سي آي ايه»، برسالة إلى قادة «الجيش الحر» التي تضم 25 فصيلاً شمال سورية، وحوالى 30 في الجنوب. وتشدد الرسالة التي حصلت عليها «الحياة»، لزعيم كل فصيل: «إنكم على اطلاع على أن وقف الأعمال العدائية سيدخل حيّز التنفيذ الجمعة (اليوم)، نحن نقترب من هذا الموعد بتفاؤل حذر. نريد أن نعرف في أسرع وقت ما اذا كنت ستشارك في عملية وقف النار، وتصوّرك للعمليات العدائية والاسباب التي دعتك إلى المشاركة او عدم المشاركة، والمطلوب تحقيقه في حال كنت ترفض الانضمام». وتحذّر الرسالة قادة الفصائل من انه قبل بدء تنفيذ الاتفاق «يجب توقّع أن النظام وحلفاءه الروس والايرانيين وحزب الله، سيكثفون من العمليات العسكرية إلى يوم الجمعة، ويجب القيام والاستمرار في قتال النظام وحلفائه إلى حين بدء تنفيذ الاتفاق» ليل الجمعة - السبت. وزادت: «يجب أن تدخل وقف النار من مبدأ القوة وليس من موقع الضعف، ونريدك أن تثبت للنظام والشبيحة بأنك قوي، وسنستمر في دعمك. لذلك استفد من وقف النار لمصلحتك، وخلال فترة توقف الأعمال القتالية أعد تنظيم مقاتليك وتدريبهم والإعداد والاستعداد لمتابعة القتال». وإذ تذكّر الرسالة المستلمين بأن «من حقك الدفاع عن النفس، وأنت تقرر متى سترد اذا هوجمت، ويجب أن تبقى مترقباً وتراقب عدوك وتعرف ماذا يفعل. إذا توقفت الغارات هذا مؤشر إيجابي الى أنهم سيلتزمون، واذا لم تتوقف أيضاً هذا مؤشر»، فإنها تدعو قادة «الجيش الحر» إلى اتخاذ موقف حاسم من كيفية التعاطي مع «النصرة» لأنها «ليست جزءاً من الاتفاق، لذلك نقترح أن تبتعد عن مكان انتشارها». وعُلم أن قادة عدد من الفصائل زاروا دول خليجية حليفة في اليومين الماضيين لتنسيق مواقفها من الهدنة الموقتة، وكان بينهم قياديون من «أحرار الشام» و «الجيش الحر» وفصائل أخرى وشخصيات سياسية معارضة. ميدانياً، قرر «لواء الفتح» الانفصال عن «حركة أحرار الشام الإسلامية» والتزامه المجلس العسكري لريف حلب الشمالي ضمن تغيير عدد من الفصائل لتحالفاتها بعد الاتفاق الأميركي - الروسي، فيما قال ناشطون معارضون إن «جبهة النصرة» أخلت مقارها العسكرية في مدينة سرمدا في ريف ادلب قرب تركيا «كي لا تبقي ذريعة لاستهداف المدنيين بحجة وجود مقارها في المدينة»، مشيرين إلى وجود حركة تفيد باحتمال إخلاء مواقعها في منطقتي اريحا ومعرة النعمان في إدلب. لكن «النصرة» أجرت استفتاء تلفزيونياً لشخصيات في مناطق سيطرتها الصافية أو ضمن «جيش الفتح» في محافظة إدلب، ووزعته على شبكاتها في موقع «تويتر»، تحدث مشاركون فيه عن اعتبار من يقبل الهدنة «خائناً». وأعلنت فصائل صغيرة عدة ولاءها ل «النصرة» في أرياف ادلب وحماة وحلب، ويعتقد أن هذا سيكون أحد تعقيدات تنفيذ «وقف العمليات العدائية» وقد تستخدمه دمشق مبرراً لاستمرار حملتها كما حصل أول من أمس في القصف العنيف على داريا جنوب غربي العاصمة. وفيما قالت وسائل اعلام رسمية سورية إن «النصرة» موجودة في داريا، أكد ناشطون أن المدافعين عنها مقاتلون محليون. «هيئة المعارضة» توافق بشروط سياسياً، أعلنت «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة بعد اجتماعها في الرياض، التزامها «هدنة موقتة لمدة اسبوعين». وجاء في مذكرة تفصيلية بُعثت إلى مبعوثي الدول الغربية الداعمة: «ترى الهيئة أن هدنة موقتة لمدة أسبوعين تشكل فرصة للتحقق من مدى جدية الطرف الآخر بالتزام بنود الاتفاقية». وأشارت إلى أنها «درست باهتمام» البيان الأميركي - الروسي، مؤكدة انها «تثمّن وتنظر بإيجابية لكل جهد يهدف إلى توقف قتل وقصف المدنيين السوريين والجرائم التي ترتكبها قوات النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه وما تقوم به القوات الروسية من قصف عشوائي يستهدف المدنيين». وأكدت الهيئة «رفضها الكامل لكل أنواع وأشكال الإرهاب والتطرف، بما فيها ممارسات تنظيمات داعش والقاعدة وحزب الله والميليشيات الطائفية الإرهابية الآتية من العراق ولبنان وإيران وأفغانستان وميليشيا الحرس الثوري الإيراني - فيلق القدس ومثيلاتها». ووضعت الهيئة ملاحظات على الاتفاق، بينها «تجاهل دور روسيا وإيران في شن العمليات العدائية»، واعتبار وحدات النظام «قوة شرعية يسمح لها بالاستمرار في العمليات العسكرية»، وعدم تضمن «البيان تحديداً واضحاً للأراضي التي لن تشملها الهدنة بسبب السيطرة عليها من جانب التنظيمات المصنفة كمنظمات إرهابية وفق قرارات مجلس الأمن». وشددت على ضرورة «تحديد هذه الأراضي قبل سريان الهدنة». واقترحت «تحديد إطار زمني مدته أسبوعان قابل للتجديد رهناً بنجاح الهدنة وتنفيذ البنود 12 و13 و14 في قرار مجلس الأمن» 2254 المتعلقة بإيصال المساعدات ووقف قصف المدنيين وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين. كما طالبت ب «وجود جهة محايدة وذات صدقية» لتحديد المسؤولين عن خرق الهدنة، ووضع آلية للإبلاغ عن ذلك. ورد المبعوث الأميركي مايكل راتني على المذكرة بأن واشنطن «ستأخذ في الاعتبار هذه الملاحظات خلال التنفيذ»، داعياً الى ضرورة التزام الفصائل المعارضة الهدنة وإبلاغ الهيئة موقفها قبل منتصف اليوم. وكانت دمشق أعلنت أول من أمس موافقتها على اتفاق وقف العمليات العدائية، مؤكدة استمرار «مكافحة الارهاب ضد داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الاخرى المرتبطة بها وبتنظيم القاعدة».