عاد السؤال عن العلاقة بين الزي الذي تقدّم به المرأة المسلمة نفسها امام الغرب وما يقوله هذا الزي عن مدى اندماجها في مجتمعات هذا الغرب، عاد هذا السؤال الى الظهور مع الصور التي نشرت للوزيرة البريطانية سعيدة وارسي، أول وزيرة مسلمة في حكومة بريطانية، وهي تدخل مقر 10 داوننغ ستريت مرتدية الزي التقليدي الباكستاني، المعروف ب «الشالوار». نعرف جميعاً عن الجدل الدائر في شأن النقاب والحجاب وخلاف ذلك في بلدان مثل بلجيكاوفرنسا وسويسرا التي تعمل على اصدار تشريعات تسعى الى منع النقاب وتغرّم من ترتدينه او ترسلهن الى السجن في حالات قصوى. والحجة المستخدمة من قبل المشرّعين في معظم هذه الدول لا تنطلق من العداء للإسلام، مع ان هذا العداء موجود في صفوف فئات منغلقة ومتعصبة في الغرب. لكنها تنطلق من أن هذا الزي يحرم من ترتديه من فرصة الاندماج في المجتمع ويقدمها بصفتها مختلفة او «معادية». من هنا عبارة الرئيس الفرنسي ساركوزي الشهيرة ان النقاب «غير مرحب به على الأراضي الفرنسية». الوزيرة وارسي لم تكن منقّبة طبعاً. لكن اختيارها للزي الذي ارتدته لحضور الاجتماع الأول لحكومة ديفيد كاميرون اثار جدلاً واسعاً حول مدى اندماج هذه السيدة الباكستانية الأصل في المجتمع البريطاني، على رغم انها استطاعت احتلال موقع متقدم في صفوفه. فقد احتلت صورتها الصفحات الأولى لثلاث صحف يمينية بريطانية هي»الدايلي تلغراف» و»التايمز» و»الدايلي ميل»، وبدت وارسي تقف امام الباب الرئيس لمقر رئيس الحكومة مفاخرة بثوبها وبأصولها، وظهر من ابراز الصحف لهذه الصورة وكأنها تعتبرها اكثر اهمية من اجتماع الحكومة نفسه، مع ان هذا حدث تاريخي بحد ذاته، اذ انها اول حكومة ائتلافية في تاريخ بريطانيا منذ اكثر من 70 سنة. لم يكن الجدل دائراً حول حق سعيدة وارسي في دخول الحكومة، وهي التي تشغل مقعداً في مجلس اللوردات منذ تشرين الأول (اكتوبر) 2007 كأول سيدة مسلمة فيه ايضاً. بل كان حول «الرسالة» التي ارادت ايصالها من خلال ارتداء الزي الباكستاني. اذ أنها لم تكن في حاجة لتعلن على الملأ انها مسلمة ومن اصول باكستانية: فهي سيدة معروفة في الحقل العام، وكانت عضواً في حكومة الظل السابقة (عندما كان حزب المحافظين في المعارضة)، بعد ان اختارها ديفيد كاميرون ل «تلميع» صورة حزبه الذي لم يكن معروفاً عنه اتصاله الوثيق بالجاليات المسلمة في بريطانيا. كما ان شكلها واسمها يشيران الى اصولها من غير حاجة الى ماكياج خارجي ليؤكد ذلك. وقد سبقتها في اوروبا سيدات مسلمات في مناصب حكومية، كما رشيدة داتي في فرنسا مثلاً، ولم يشعرن بالحاجة الى استعراض ازياء تشير الى اصولهن. على العكس فقد كانت داتي تنافس زميلاتها الفرنسيات على اناقتهن الباريسية. من جانب ايجابي هناك من رأى أن من حق سعيدة وارسي ان تفاخر بأصولها، وهي التي لم تنكر يوماً نشأتها المتواضعة في عائلة كان الأب عاملاً بسيطاً في احدى المطاحن في مقاطعة يوركشاير، واستطاعت ان تدرس المحاماة وتنشئ مكتباً خاصاً بها ثم ان تقتحم المجال السياسي. ومن الجانب الآخر هناك من رأى ان على من تشغل منصباً حكومياً في بريطانيا ان ترتدي الزي الذي يتناسب مع هذا البلد. اما اذا شاءت ان تفاخر بزيها الباكستاني، فالأفضل ان تذهب الى ذلك البلد وترشح نفسها لخلافة بنازير بوتو! الأرجح ان سعيدة وارسي هي ضحية الجدل الدائر الآن في كل المجتمعات الأوروبية حول معنى الاندماج والمظاهر التي يفترض التعبير بها عن مدى اندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة. هل المطلوب هو النزع الكامل للزي الذي حمله معه المهاجر الى البلد المضيف؟ ام هناك مساحة من الحرية تسمح بالاختيار؟ والمفارقة في وضع هذه السيدة انه في الوقت الذي يتعرض زيها الباكستاني للانتقاد، هناك من يرى في صفوف المسلمين في بريطانيا انها «خانت» دينها ومبادئها بانتمائها الى المحافظين ودخولها حكومتهم. شهيد مالك، النائب السابق عن حزب العمال ومنافسها على المقعد النيابي تحداها قائلاً: اذا كانت تحترم نفسها فعليها ان تستقيل!