لم يتوقع الأكراد في العراق يوماً ما أن تكون لغتهم اللغة الرسمية الثانية. فلو تقدم اي شخص بهذا الطرح قبل عام 2003 لتم اعدامه على الفور بتهمة العمالة، ومثل هذا الأمر ينطبق على لغات الأقليات التي كانت تتحدث العربية في الأماكن العامة وتتكلم لغتها الخاصة في المنزل. سنوات مرت على سقوط نظام صدام حسين قبل ان تقرر الحكومة العراقية اعتماد الكردية لغة رسمية ثانية في البلاد الى جانب العربية وتضمينها في جوازات السفر العراقية فئة (A) واستخدامها في الكتب الرسمية للدولة ولو ان بعض الوزارات لم تطبق الأمر بعد. ينص قانون اللغات الرسمية رقم (7) الذي صدر في 2014 وأقره البرلمان العراقي في كانون الثاني (يناير) من العام المذكور على ان اللغتين العربية والكردية هما اللغتان الرسميتان في العراق. وأكد ذلك صدور القرار في جريدة «الوقائع العراقية» وهي الصحيفة الرسمية للدولة التي تنشر كل القرارات الحكومية باللغتين العربية والكردية، إضافة إلى استخدامها في الاجتماعات الرسمية ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء الاتحادي ومجلس القضاء الاعلى والهيئات والمؤسسات الاتحادية الاخرى والاجتماعات الرسمية في اقليم كردستان وبرلمانه ورئاسته وحكومته. وأكد القانون أن تكون المخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية بين السلطات الاتحادية وسلطات اقليم كردستان باللغتين العربية والكردية، كما أجاز فتح مدارس لكل المراحل للتدريس باللغة العربية والكردية او التركمانية او السريانية او الأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية او بأي لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة وفقاً للضوابط التربوية. ويعتبر هذا القانون الأكثر تحرراً في مجال اللغات في العراق اذ سمح للقوميات الأخرى في البلاد والأقليات العرقية والدينية باستخدام لغتها الأم في التعليم وفي مجالات شتى بعدما كانت العربية هي اللغة السائدة في كل المجالات وبتوجيه رسمي حكومي. ومن القوانين الصارمة التي كان معمولاً بها في مجال اللغة قبل هذا التاريخ، قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية رقم (64) لسنة 1977 والذي يعده بعض المختصين مثالاً جيداً للحفاظ على اللغة وينبغي ان يحتذى به بغض النظر عن تاثيره في اللغات الأخرى. فالقانون يمنح اللغة العربية من دون سواها فرصة للنمو والانتشار في العراق، وحدّ من استخدام اللغات الخاصة بالقوميات والأقليات فضلاً عن اللغة الانكليزية. لكن ذلك ولّد أجيالاً من الشباب الجاهلين باللغات الاجنبية من دون أن يتمكنوا بالضرورة من العربية. فهم يتحدثون بها لكنهم لا يحصلون على علامات مرتفعة فيها أثناء الامتحانات، حتى عُرف عن طلاب العراق المعدلات المنخفضة في العربية والانكليزية معاً في الامتحانات العامة. أما في السنوات القليلة الماضية، فبدأ الاقبال على تعلّم اللغات الاجنبية لا سيما الانكليزية والفرنسية والفارسية والتركية. القانون الذي صدر آنذاك كان صارماً إذ نص على أن تلتزم كل الوزارات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمؤسسات والمصالح والشركات العامة والجمعيات والنقابات والمنظمات الشعبية الحفاظ على «سلامة اللغة العربية»، واعتمادها في وثائقها ومعاملاتها، كما ألزم القانون المؤسسات التعليمية في مراحل الدراسة باعتماد اللغة العربية لغة للتعليم والحرص على سلامتها لفظاً وكتابة وتنشئة الطلاب على حسن التعبير والتفكير بها، وإدراك مزاياها والاعتزاز بها. وفرض القانون ذاته على مؤسسات النشر والاعلام ان تنشر مطبوعاتها ومناهجها باللغة العربية وتعنى بسلامة اللغة العربية، ألفاظاً وتركيباً، نطقاً وكتابة ومنع استعمال العامية إلا عند الضرورة القصوى مع السعى إلى تقريبها من الفصحى. اليوم كل شيء تغير. فالأقليات جميعها تمتلك وسائل اعلام ناطقة باسمها وبلغتها حتى وصل الامر الى وجود فضائيات ومحطات راديو تبث بلغات مختلفة وبعضها يخصص ساعات معدودة للغة العربية.