في سنة 1956 قال ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، لناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، «لو كنت زعيماً عربياً لما عملت تسوية مع اسرائيل أبداً. وهذا طبيعي، فقد أخذنا أرضهم... هناك لاسامية، النازيون، هتلر، أوشفيتز، ولكن هل هذا ذنبهم؟ هم يرون شيئاً واحداً أننا جئنا الى هنا وسرقنا بلادهم. لماذا يقبلون هذا؟». ترجمت الكلمات السابقة من رسالة نشرتها «الغارديان» الأسبوع الماضي في «بريد القراء» وكتبها جيف سيمونز، مؤلف الكتاب «التطهير الاثني لفلسطين». كانت هناك رسائل أخرى ذلك اليوم، وإحداها من أختنا المناضلة غادة كرمي التي احتجت على قول الصحيفة في افتتاحية لها «لا أحد سيحقق شيئاً بالحديث عن 1948». وهي قالت إن أساس الخلاف الإسرائيلي - الفلسطيني ليس «هنا والآن» كما ذكرت الافتتاحية، وإنما يعود الى قيام اسرائيل، وأضافت أن خطاب محمود أحمدي نجاد في مؤتمر الأممالمتحدة لمكافحة العنصرية كان مصيباً في رده جذور النزاع الى 1948. أستطيع أن أسجل مئة اعتراض على سياسة أحمدي نجاد وتطرفه، وبينها رفضي أن ينكر المحرقة، فهي حدثت وقتل فيها ستة ملايين يهودي، غير أن اعتراضاتي كلها لا تلغي أن اسرائيل قامت سنة 1948 في فلسطين، وسرق يهود أوروبا بتواطؤ بريطاني سبق بداية الانتداب أراضي الفلسطينيين وشردوا أكثرهم. شخصياً، لا أصدق الرواية التوراتية عن «أرض الميعاد». من قال إن الله وعد اليهود بأرض فلسطين؟ اليهود... أي أنهم يشهدون لأنفسهم رغم خلو الشهادة من أي منطق، فربّنا قادر على كل شيء، وإذا كان سيعطي اليهود أرضاً فلماذا يعطيهم بلاداً مسكونة، وهو قادر أن يعطيهم عشر جنات عدن. أتحدث فقط عن نفسي وأعترف بأنني لا أصدق الرواية الأصلية ثم لا أصدق التفاصيل. في سفر يشوع، وهو الجنرال الذي دخل فلسطين، يقول الربّ ليشوع: أقتل الرجال والنساء والأطفال، والجمال والغنم والحمير. هل يعقل أن الله تعالى يأمر بإبادة جنس؟ ثم مَن قال هذا الكلام؟ اليهود مرة أخرى، والأسهل تصديقاً هو أن يشوع ارتكب جرائم حرب وحمّل ربّه وزرها. لا أريد أن أدخل متاهة دينية لا أعرف كيف أخرج منها، ولكن من الكذب على الله في التوراة الى بن غوريون واعترافه بالسرقة سنة 1948 الى يومنا هذا وزاوية اليوم، الأولى في حلقات عن فلسطين ثم العراق، وكيف يعمل أنصار اسرائيل، وتراجع الصحافة الغربية أو تخاذلها. أختار من مقال للمتطرف الليكودي ديفيد بروكس، أحد دعاة الحرب على العراق، في «نيويورك تايمز»، وأترجم حرفياً: أعداء اسرائيل يدعون أن البلاد مركز متقدم للكولونيالية الغربية. هذا ليس صحيحاً. اسرائيل، الى حد كبير، هي بلد شرق أوسطي، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هو جزئياً نزاع بين دول الشرق الأوسط. اليوم اسرائيل عالقة في فترة إحباط، وإيران تمثل خطراً على وجود اسرائيل أكبر من أن تواجهه اسرائيل وحدها. حماس وحزب الله سيحبطان خطط السلام، حتى لو عملت اسرائيل كل شيء كما يجب. ما سبق ترجمتي لما كتب، أو لفّق بروكس في 17/4، وأجد أن ما قال أحمدي نجاد في 21/4 هو الرد الصحيح عليه، حتى من دون أن يقصد ذلك الرئيس الإيراني، وحتى وأنا أسجل اعتراضاتي المئة على هذا الرئيس. اسرائيل دولة عنصرية قامت على سرقة أراضي الفلسطينيين، وهذا تاريخ حديث، الشهود عليه أحياء، وهناك صوت وصورة، وليس خرافة توراتية الشاهد عليها المستفيد الوحيد منها، وهي وجود غريب، وإيران لا تمثل خطراً على وجودها. ثمة أمثلة على حقيقة اسرائيل منذ 1948، وكل حرب أو مجزرة تبعتها، ولكن الحرب الأخيرة على قطاع غزة تكفي فقد قتل 1400 فلسطيني مقابل 20 اسرائيلياً، اي نسبة 70 الى واحد، وهي نسبة نازية بامتياز. وبقي الوضع تماماً كما كان يوم بدء القتال. غالبية اليهود حول العالم تريد السلام، غير أن الأقلية المتطرفة، وهناك متطرفون بيننا أيضاً، تحاول أن تنشر دخان تعمية لمنع العالم من رؤية ما ترتكب اسرائيل، وعادة عن طريق التركيز على النازيين والهولوكوست كأن الجريمة ارتكبت أمس. قلت هذا الكلام غير مرة إلا أنني اليوم أتوكأ على مقال كتبته تانيا غولد في «الغارديان» أيضاً وعنوانه «بقر نازي، قطط نازية. ممثلون يلعبون أدوار نازيين محبطين. كل هذه البذاءة من هتلر تجعلني أتقزز منها». مقالها في 23/4، وأستطيع أن أزيد لها مذكرات سكرتيرة هتلر فقد كانت غلاف مجلة «الصنداي تلغراف» في 26/4. المتطرفون ينكرون جرائم اسرائيل، ويحولون الأنظار عنها الى هتلر أو أحمدي نجاد، ولكن هناك معتدلون وليبراليون لا يريدون أن يصدقوا أن اسرائيل عنصرية ترتكب جرائم بحق الفلسطينيين، فأكمل بهم غداً قبل أن انتقل الى الصحافة الغربية والعراق.