بعيداً من ثلوج واشنطن وانقساماتها الحزبية، رسّخ الرئيس الأميركي باراك أوباما واحداً من أبرز إنجازات إدارته في السياسة الخارجية، بتعزيز نفوذ واشنطن في آسيا ومواجهة صعود الصين. وكان ذلك محور قمة ل «رابطة جنوب شرقي آسيا» (آسيان) استضافها أوباما في كاليفورنيا، إذ إن دولاً أعضاء في المنظمة تخوض نزاعاً مع بكين في شأن السيادة على «بحر الصينالجنوبي». المفارقة أن القمة التي شكّل عقدها في الولاياتالمتحدة سابقة، استضافها منتجع في كاليفورنيا عقد فيه أوباما قبل ثلاث سنوات قمة غير رسمية مع نظيره الصيني شي جينبينغ. وناقش المجتمعون اتفاقاً للشراكة عبر المحيط الهادئ، ومكافحة الإرهاب، وسعوا إلى تشكيل جبهة موحدة في مواجهة اندفاع الصين، عكسه تصريح أوباما عن «رؤية مشتركة لنظام إقليمي» يحترم القواعد الدولية وتسوية النزاعات «من خلال وسائل سلمية». وتزعم بكين حقاً تاريخياً بالسيادة على «بحر الصينالجنوبي» الغني بثروات سمكية ونفطية، والذي تمرّ عبره تجارة تُقدّر قيمتها بأكثر من خمسة تريليونات دولار سنوياً. وشيّدت بكين سبع جزر اصطناعية في هذا البحر، مؤججةً خلافاً مع أربع دول من «آسيان» (بروناي وماليزيا والفيليبين وفيتنام) لديها مطالب سيادية على أجزاء من البحر وتايوان. وإضافة إلى الدول الأربع، تضم «آسيان» ست دول هي أندونيسيا وسنغافورة وتايلاند ولاوس وميانمار وكمبوديا. وأحالت مانيلا عام 2013 على محكمة تحكيم دولية، نزاعها الحدودي مع بكين التي ترفض الاعتراف بالمحكمة. وانتقدت واشنطن سلوك بكين، وأغضبتها بعدما أبحرت سفن بحرية أميركية قرب الجزر الاصطناعية التي شيّدتها في «بحر الصينالجنوبي». وتسعى الولاياتالمتحدة إلى تبنّي «آسيان» موقفاً موحداً، لكن ذلك قد يكون صعباً، اذ تجنّبت الرابطة انتقاد الصين بالاسم، في بيانات مشتركة أصدرتها خلال قمم سابقة. وأشار مسؤولون إلى أن الصين ضغطت على كمبوديا ولاوس، لئلا توقعا على بيان، علماً أن لا مطالب لهما في البحر وتشهدان تدفقاً ضخماً لاستثمارات صينية. وذكّرت مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس بسابقة «استضافتنا قادة آسيان في الولاياتالمتحدة»، مضيفة: «أصدرنا بيانات مشابهة سابقاً مع آسيان، نؤكد فيها دوماً التزامنا المشترك تسوية سلمية للنزاعات وحرية التجارة والملاحة وسيادة القانون». وتابعت: «نجاحنا في ذلك يعكس ثمار استمرار الاستثمار الكبير والمستدام لهذه الإدارة، وللرئيس أوباما شخصياً. وهذا يثبت التزامنا الثابت حيال هذه المنطقة الحيوية». وتشير رايس بذلك إلى انتهاج أوباما سياسة «محور آسيا»، منذ تسلّمه الحكم عام 2009، علماً أنه سيزور فيتنام ولاوس هذه السنة. واعتبر الرئيس الأميركي أن استضافته قمة «آسيان» تعكس «التزامي الشخصي والالتزام الوطني للولايات المتحدة، بشراكة قوية ومستمرة مع الدول العشر». وأضاف: «بصفتي رئيساً، شددت على رغم مواجهة الولاياتالمتحدة تهديدات طارئة حول العالم، على ضرورة استغلال سياستنا الخارجية فرصاً جديدة، وفي القرن الواحد والعشرين تقلّ المناطق التي تؤمّن فرصاً أكثر من منطقة آسيا- المحيط الهادئ». وزاد: «في هذه القمة يمكننا تعزيز رؤيتنا المشتركة لنظام إقليمي يدعم القواعد والأعراف الدولية، بما في ذلك حرية الملاحة، وتُسوّى فيه النزاعات من خلال وسائل سلمية وقانونية».