هناك فرق بين الدولة والحكومة، الأولى ثابتة والثانية متغيّرة، الأخيرة هي أداة تنفيذية لسياسات الدولة وطموحاتها وخططها، لتحقيق أهدافها في رقي شعبها وتطويره والوفاء بحاجاته... لذا يتم تغييرها بحسب الحاجة. وعندما يسلّط الكاتب الضوء على نقص وقصور في الأداء الحكومي فهو يسعى لتحقيق أهداف متعددة، جميعها تصب في مجرى تعلية شأن الدولة وترسيخ قواعدها والتفاف مواطنيها حولها بما يعني مشاركتهم الإيجابية وتفاعلهم البناء. في المجمل، ينتج من هذا تحسن في الداخل وإضافة مشرقة لصورة الدولة الخارجية تطوراً وتقدماً... كنموذج للتنمية والرقي. هذه مقدمة لا بد منها، لأن الخلط بين الدولة والحكومة أمر يكاد يكون شائعاً، في صحافتنا ولدى بعض كتابنا، ما يحدث تشويشاً لدى المتلقي. نأتي إلى قضية الوعي المجتمعي، أو وعي المجتمع... الذي يشار دائماً إلى أن قصوره وعدم نضجه - أو تخلّفه - هو السبب الرئيسي لما يحدث من أخطاء أو أزمات معيشية خدماتية... ونقص مخل فيها، بل ظواهر اجتماعية اقتصادية سلبية تصيب المجتمع بين فترة وأخرى، وهو سبب حقيقي يدفع المتأمل إلى محاولة الغوص في تفاصيل وعي المجتمع... لتشخيصه، بحثاً عن أكبر مسبب للنقص فيه، فمن يستطيع قيادته إلى الأمام ويؤثر فيه التأثير الأكبر؟ من نافلة القول أن هناك تراكمات لمخزون من القيم والعادات والتقاليد تمثل جزءاً لا يستهان به، كمؤثر على اتجاه ونضج وعي المجتمع ومقدار حيويته وتفاعله الإيجابي مع رؤية وتطلعات الدولة. لكن الحضارة المدنية حولت الفرد إلى مجرد رقم وتاريخ. إنه رقم في البطاقة، وفي رخصة القيادة وبطاقة العائلة والضمان... الخ. كل هذه الأرقام الحيوية للفرد والمجتمع مرتبطة بخيوط - متينة - تمسك بها جهات حكومية، تستطيع واحدة منها بتصريح صحافي واحد، مثلاً، حشد أعداد كبيرة منهم في المكان والزمان الذي تحدده. هذه الصلاحيات والاختصاصات بما فيها من قدرة على التأثير، تفتح السؤال الذي طالما طرحته عن مستوى الوعي لدى أجهزة تنفيذية تتحكم بحكم صلاحياتها بحاجات الناس وتوفير الخدمات لهم تحقيقاً لتطلعاتهم، فكلما كان وعي الجهة الحكومية ناضجاً ومستشرفاً للمستقبل وأخطاره والفرص الكامنة فيه... للمصلحة العامة... أحدث هذا أثراً إيجابياً في وعي المجتمع وزاده نضجاً وتطوراً، والعكس بالعكس. لا ننسى أن الجهة الحكومية هنا، لديها خطة واضحة المعالم وطواقم موظفين متفرغين لها مع أدوات تنفيذ منظمة... هذا في المفترض المتوقع... والخلاصة أن وعي الجهات التي تنفذ سياسات الدول في الداخل، وتجاه مواطنيها تحقيقاً لأهدافها، ممثلة في أجهزتها الحكومية، هو الحجر الأساس لرفعة وعي المجتمع وعلاج أي قصور فيه، فإذا صلح هذا الوعي القائد صلح وعي المجتمع... التابع، لكن الأخير هو الأكثر سهولة عند رمي سهام النقد، فالظواهر تطفح على سطحه مبرزة بثورها على جبينه، وقليل منا من يبحث عن جذور البثور... لأن الانشغال بالأخيرة أكثر سلامة. www.asuwayed.com