حين يرتجل الممثل المسرحي، يقابل بكثير من الاستحسان من الجمهور إذا كان ارتجالاً صائباً. صحيح أن هذا الارتجال قد يثير غضب زملاء الفنان، خصوصاً إن كان بارتجاله هذا نجح في جذب الأضواء بعيداً منهم، ولكن يظل الارتجال فناً حائراً بين الإبداع والإقحام. وبحسب «المعجم الوسيط»، فإن من يرتجل برأيه هو «من ينفرد برأيه ولا يشاور أحداً فيه». وحتى وقت قريب، كانت مسألة الارتجال حكراً على الفن المسرحي، نظراً لأن الكلمة حينما تنطلق من فم الفنان، فإن حذفها يكون غير وارد، تماماً كما تنطلق الكلمة من فم المذيع الذي يقدم برنامجاً على الهواء مباشرة. «ارتجال» المذيع بعيداً من النص المكتوب له من فريق الإعداد، يخضع غالباً لأجندة معدة مسبقاً من إدارة القناة، سواء كانت حكومية أم خاصة، رسمية أم معارضة، لها أولويات وانتماءات وربما أهواء أم ليس لها. عادة، المذيع الذي يتمتع بمقدار من الثقافة والاطلاع والذي لا يرضى بالجلوس على مقعد «الواجهة» اللامعة لهذه القناة أو تلك، يجد نفسه واقعاً بين شقي رحا، فهو في حال ارتجاله سؤالاً أو تعليقاً غير مكتوب في ال «سكريبت» المعد مسبقاً، يجد نفسه معرضاً للانتقاد من الإدارة الحريصة على الالتزام بالنص، وإن لم يرتجل في الوقت المناسب، فإن المشاهد لن يرحمه، وسيتهمه حتماً بالجهل والضحالة. لذلك فإن عملية الفصل التام بين الإعداد والتقديم تكاد تكون ظاهرة تاريخية في طريقها إلى الزوال آجلاً أو عاجلاً. فعلى مدى عقود طويلة، ظل المقدم أو المذيع جزءاً لا يتجزأ من ديكور القناة، وكلما زاد رونقه حظيت القناة بنسبة مشاهدة واستحسان أعلى. فكان المذيع أشبه بالمطرب ذي الصوت الشجي الذي يأتي ليشدو بأغنية كتبها مؤلف ولحنها ملحن، وما عليه سوى تنغيمها بحسب التعليمات ومن ثم الانحناء أمام الجمهور لتحيته. لكن الوضع تغير تماماً في زمن بات المذيع فيه أقرب إلى الصحافي التلفزيوني، فهو ليس مجرد «ديكور» أو عنصر جمالي مكمل للشكل العام، بل مطلوب منه أن يجتهد ويبحث ويدقق ويناقش المعد قبل الخروج على الهواء كي يكون متمكناً تماماً من القضية المراد طرحها أو مناقشتها. فالاكتفاء بالأسئلة التي كتبها المعد على الوريقات التي يمسك بها أو على ال «أوتو كيو» الذي يركض أمامه ستجعله يبدو أمام المشاهد المستنير أقرب ما يكون إلى الممثل الناشئ الذي يعتمد على الملقن ليسمع دوره أمام الجمهور من دون أخطاء. ليس هذا فقط، بل أن هناك اتجاهاً إيجابياً في عالم التلفزيون والفضائيات حالياً، ألا وهو الجمع بين الإعداد والتقديم، وهو الجمع المحمود الذي يلاحظه المشاهد بسرعة، فينتقل إليه فوراً الشعور الكامن لدى المذيع بأنه يفهم ويعي ما يقول، ولا يعتمد على الحفظ فقط. لذلك، فإن معاقبة مذيع أو مذيعة في الألفية الثالثة على «ارتجال» سؤال أو معلومة أو تعليق تفوّه به على الهواء لأنه لم يكن مكتوباً في ال «سكريبت» هو ضرب من ارتجال السفه.