تبقى حرارة الجسم في حال الصحة ثابتة ضمن حدود ضيقة على رغم النشاط الفيزيائي وتقلبات حرارة الجو، فدرجة الحرارة الفمية لدى غالبية الناس هي 37,2 درجة مئوية (99 فرنهايت) وقد تنخفض لدى قلة قليلة من الناس الى 35,8 درجة مئوية (96,5 فرنهايت)، اما الحرارة الشرجية فتكون اعلى من حرارة الفم بحوالى نصف درجة الى درجة واحدة مئوية. وحرارة الجسم الداخلية تظل ثابتة نتيجة التوازن بين الحرارة التي ينتجها الجسم وتلك التي يفقدها وذلك بفضل آليات عدة يشرف عليها الجهاز المنظم للحرارة الموجود في قاع الدماغ وبالتحديد في منطقة الهيبوتالاموس، فعندما يكون الطقس بارداً يصدر الجهاز المذكور أوامره المناسبة لإنتاج المزيد من الحرارة للإبقاء على درجة حرارة الجسم ثابتة، وكذا الحال عندما يكون الطقس حاراً. وعندما تصل حرارة الجسم الى 38 درجة مئوية معنى ذلك ان الشخص يعاني من الحمى، وهذه الأخيرة تنشأ في معظم الأحيان نتيجة معركة تدور رحاها ما بين الخلايا المناعية التي تتولى الدفاع عن الجسم والعامل المعتدي (من الفيروسات والجراثيم)، اذ تقوم تلك الخلايا بانتاج مواد كيماوية مثل الأنترلوكين 1 والأنترفيرون، تؤثر في التوازن الحراري في الجسم. والحمى لا تنحصر في الرقم الذي نقرأ على ميزان الحرارة، بل ترافقها زوبعة من العوارض من ابرزها: - زيادة ضربات القلب الى درجة تصل الى 120 دقة في الدقيقة. - الإحساس بالعطش. - الشعور بالقشعريرة. - زيادة التعرق. - فقدان الشهية على الطعام. - الصداع. - قلة التبول. - جفاف الجلد. - المعاناة من الضجر والتعب وقلة الحيلة. - الهذيان في حال بلوغ الحمى درجات عالية. هناك نوعان من الأسباب يؤديان الى الحمى: أسباب خارجية وأسباب داخلية، أما الأسباب الخارجية فمنها ضربة الشمس، والحر الشديد. ومن الأسباب الداخلية الإلتهابات الفيروسية والجرثومية والطفيلية وبعض الإصابات الدماغية والعصبية والورمية. نصل الآن الى بيت القصيد ألا وهو كيفية التصرف أمام الحمى. لا شك ان الكبار يملكون قدرة على تحمل الحمى، ولكن لا يجب الوقوف امامها مكتوفي اليدين، فمراجعة الطبيب ضرورية في الحالات الآتية: 1- وصول حرارة الجسم الى مشارف الأربعين درجة مئوية. 2- استمرار الحمى لمدة تفوق الثلاثة أيام. 3- المعاناة من تيبّس العنق عند ثني الرقبة الى الأمام او الى أحد الجانبين. 4- الشكوى من صداع شديد. 5- التقيؤ المستمر. 6- صعوبة التنفس. 7- المعاناة من ألم في الصدر أو في البطن أو عند التبول. 8- التورم الشديد في الحلق والبلعوم. 9- ظهور اندفاعات جلدية غير عادية. 10- ظهور بوادر تشوش ذهني او اضطرابات في السلوك. هذا عند الكبار اما لدى الصغار فإن النظرة الى الحمى تختلف عن تلك الموجودة عند الكبار، فالحمى العالية قد تسبب للأطفال مضاعفات خصوصاً لدى الذين لم يتجاوزوا بعد السنة الأولى من العمر أو اولئك الذين يشكون من سوء التغذية أو من نقص المناعة، ففي حال الحمى يفقد الطفل الكثير من السوائل من طريق التعرق والتنفس الأمر الذي يعرضه الى الإصابة بالصدمة بل الى الوفاة اذا لم يتم تدبير الحمى في الوقت المناسب. شيء آخر قد يصاحب الحمى الا وهو التشنجات الحرورية، فهذه شائعة الحدوث عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 اشهر و 5 سنوات، وكثيراً ما تكون مصدراً لهلع للأهل ولكنها تكون سليمة العواقب لدى الغالبية العظمى من الأطفال. وعموماً، يمكن القول ان الحمى عند الطفل الذي يبقى متفاعلاً ومتواصلاً ومستجيباً مع من حوله، ويحب اللعب ويشرب السوائل، لا يجب ان تدفع للقلق عند الوالدين. ان الأهل يخافون من التشنجات الحرورية ظناً منهم انها تؤثر في مخ الطفل، ولكن هذا غير صحيح، فلا خطر من التشنجات على دماغه. وتترافق الحمى عند الطفل بالعوارض والعلامات الآتية: تورد الوجه وسخونة الجبين وجفاف الجلد. الشعور بالضيق والتعب والإرهاق وقلة الحيل والرغبة الملحة في النوم. التعرّق الشديد الذي يبلل جسم الطفل. الإحساس بالبرودة والقشعريرة. فقدان الشهية والإمساك. ان السلوك الذي يجب اتباعه عند اصابة الطفل بالحمى هو الآتي: 1- تخفيف الملابس عن الطفل قدر المستطاع، والابتعاد كل البعد عن تغطيته بأغطية سميكه لأنها تعيق تصريف الحرارة العالية من الجسم. 2- وضع الطفل في غرفة معتدلة الحرارة. 3- اعطاء الطفل الكثير من السوائل. 4- الاستعانة بأحد خافضات الحرارة اذا دعت الضرورة مع الالتزام بالجرعة الدوائية وعدم المزاوجة بين الأدوية، والأهم من ذلك الحرص على المدة الزمنية للجرعة مع تلك التي تليها. 5- العزوف عن استعمال عقار الأسبرين أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية عند اصابة الطفل بمرض الجدري. 6- لا حاجة الى المغطس في الماء الفاتر فهو موضة قديمة لا نفع منها. أما استشارة الطبيب في شأن الحمى عند الطفل فيجب ان تتم في الحالات الآتية: - اذا كان عمر الطفل هو دون ثلاثة أشهر لأن مناعته غير مكتملة واستعداده للإصابة بالأمراض الميكروبية يكون أكبر. - اذا وصلت حرارة الطفل الى 40 درجة وما فوق. - اذا استمرت الحمى ليومين من دون سبب يفسر وجودها. - اذا كان الطفل فاتر الهمة سريع الغضب والبكاء لأتفه الأسباب. - اذا عانى الطفل من التقيؤ. - اذا عانى الطفل من عوارض غير طبيعية مثل تصلّب النقرة أو صعوبة التنفس أو الألم في البطن وغيرها. - اذا لوحظ ان الطفل لا يستجيب للملاطفة وبدأ يفقد وعيه. تبقى نقطتان: الأولى هي ان نوع الحمى قد يوجه نحو المرض المسبب، فالحمى المتقطعة قد تدل الى مرض هودجكن السرطاني. أما النقطة الثانية فهي ان الحمى في حد ذاتها ليست بالضرورة علامة سيئة، بل هي سلاح مهم يستخدمه الجسم من أجل إجهاض الغزو الميكروبي الذي يحاول النيل منه، وفي هذا الصدد يقول البروفسور الألماني هاراس من «اعطوني وسيلة لإثارة الحمى في الجسم وأنا أداوي جميع الأمراض».