الأحد 2/5/2010: وطنيات صغيرة - تكفي لغة قليلة لصداقة طفلين، وإحساس كثير وخلاص من شبكة الأهل. والصداقة بين الغرباء يعززها التأمل وتمنعها الوطنية بمسمياتها المتنوعة، وطنية متعاظمة يجذبها حنين الى إمبراطوريات، والحنين هذا وهم لا مكان له لأن الوطنية الحاضرة تجنح الى القسمة ولا تتقبل مساحات واسعة. تمعن وطنيتنا تمزيقاً بالأرض والاجتماع للوصول الى أصغر جزء ممكن: أنا الوطن والوطن أنا، وكيف نسكن في حبة رمل. - الاجتماع المتشظي لم يتبلور في منظومة ترث نموذجاً أوروبياً يتهاوى تحت ضربات مهاجرين يرفضون الاندماج، مقدمين أديانهم مكاناً عالمياً لا يعترف بحدود ولا بقوانين محلية، وهم بذلك يستنهضون يميناً متطرفاً يرتد على معطيات النهضة الأوروبية التي قادت العالم الحديث ويطلب وطنية ضيقة، تضيق بالتالي بهؤلاء المهاجرين. ليس الإسلام الأوروبي والأميركي قضية سهلة، فهو تحدّ مزدوج لنزعة العولمة الإسلامية التي قدمت نفسها في صورة جهاديين بن لادنيين، ولقدرة المسلمين على فقه متطور يسمح بعيشهم في مجتمعات متعددة الثقافات، كما كان شأنهم في العصر العباسي. أليست الولاياتالمتحدة هي الصورة المعاصرة للخلافة العباسية الغابرة؟ فمن هم هؤلاء الذين يهدمون صورتها؟ ولندع جانباً ذريعة العدوانية الإسرائيلية التي يستخدمها كثيرون ضد مجتمعاتهم أكثر مما يستخدمونها ضد هذه العدوانية بالذات. الاثنين 3/5/2010: مشروع وثيقة بدأت الفكرة أثناء زيارة الى منزل مسلم فيتنامي في باريس. رأى صاحبي نموذجاً من المهاجرين المسلمين لا علاقة له بالصورة النمطية للجالية المغاربية. عدد المسلمين الفيتناميين في فرنسا 10 آلاف يسكنون في شمال باريس ويحافظون على لغتهم الأم ويقيمون شعائر دينهم من دون ضجيج ولا توظيف سياسي، وينتمي معظمهم الى الفئات الكادحة. وعلم صاحبي أن مجموعة منهم ترجمت معاني القرآن الى الفيتنامية ونشرتها. الفكرة هي إعداد وثيقة باسم المهاجرين المسلمين في أوروبا وشمال أميركا الذين اختاروا أوطانهم الجديدة بشكل نهائي، والوثيقة رسالة الى رجال الدين/ العلماء والهيئات الحكومية والمعارضة في العالمين العربي والإسلامي. من مسودة الوثيقة/ الرسالة: «نحن مواطني البلاد الأوروبية والأميركية الذين يدينون بالإسلام، منخرطون في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أوطاننا، لكننا نعاني مشكلة تصدرها إلينا بلادنا الأصلية، هي تعميم صورة لديننا معادية لأوطاننا وإيصال هذه الصورة الى مراكزنا الإسلامية التي، بدلاً من أن تكون مكان عبادة يشبع النزعة الروحية لأنباء الجالية، تحولت الى منابر سياسية، معظمها سطحي، يوصل أفكاراً متعجلة مترجمة من بيئات بعيدة. لا تعني هذه الرسالة مشروع تنكر للتضامن الأخوي والإنساني مع المطالب المحقة لسكان بلادنا الأصلية، لكنها تطلب صوغ هذا التضامن بلغة بلادنا الجديدة، بما يراعي التنويعات وحق الجميع بالاعتقاد والاجتماع والتعبير من دون عدائية ولا عنصرية. ويهمنا في هذه الوثيقة/ الرسالة تطوير الفقه ليتناسب مع مجتمعاتنا الجديدة من دون إخلال بأصول ديننا. هذا التطوير لا نريد، الى الآن على الأقل، الانفراد به لئلا نجنح كما جنح كثيرون عبر التاريخ الى تكوين طائفة جديدة من دون أن يقصدوا ذلك أصلاً. إن تطوير الفقه مهمة إسلامية عامة تتم بالتشاور بين رجال الدين ومن ثم بينهم وبين العارفين بأوضاع المجتمعات وتنوعها الثقافي، حيث ينتشر المسلمون ويكون مطلوباً قبولهم الآخرين ليقبلهم هؤلاء الآخرون. نطلب التفاعل مع هذه الوثيقة/ الرسالة للوصول معاً الى نتائج يفيد منها مسلمو العالم بشفافية تؤسس للقاء مع الآخرين لا لعداء». الثلثاء 4/5/2010: مثل شهقة حيث الحياة في مستواها الأدنى، على حدود الدفء والشبع، وسقف يحمي، وسرير يصرخ من نوم صاحبه. لا بداية ولا نهاية لهذا التكرار، مثل دقات القلب، لا نسمعه ولا نملّ منه. إجازة قصيرة مثل وداع، لزهر يشرف على بحر، لبيت رسمناه ولم يتح لنا بناؤه، لكتاب ضاعت أوراقه في مكانين أو أكثر. إجازة قصيرة مثل شهقة، لتعود رتابة التكرار، وبها تفرح. الأربعاء 5/5/2010: محمود السعدني روح الحارة الشعبية التصقت بكتابات محمود السعدني الصحافية داخل مصر وخارجها. ولم تعمر الصحيفة الجدية «23 يوليو» التي أصدرها في لندن لمعارضة معاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية. السعدني، «الولد الشقي» (من مواليد 1928)، توفي في القاهرة بعد انقطاع عن الكتابة بسبب المرض، لكن لمسته الساخرة لا تزال حاضرة في مختارات مقالاته. أدمنت لفترة قراءة صفحته الأخيرة في «المصور» «على باب الله»، حين ظهر في صورة وريث ل «قطوف» عبدالعزيز البشري وللمقالات المبتسمة لإبراهيم المازني ومحمد عفيفي، لكن الوريث أضفى على الابتسامة لمسة شعبية وأبعدها عن النخبة حتى في تناوله موضوعات عامة، سياسية واجتماعية. ومقالات السعدني مشاهد وصور وحوارات ضمنية، فكأنها موجزات مسرحية، هنا نذكر مسرحيته «عزبة بنايوتي» التي عرضت في السبعينات خلال زهو المسرح المصري. الصحافة عند السعدني دمج للخاص بالعام ومغامرة تنتهي غالباً بالإخفاق. كان الصحافي النجم ينبه عارفيه الى موهبة شقيقه الممثل صلاح، واليوم صلاح السعدني المشهور يتقبل التعازي بشقيقه شبه المنسي. الخميس 6/5/2010: شهداء زمان يحتفل لبنان اليوم ب «شهداء الصحافة» وهو تحوير لعيد شهداء 6 أيار الذي طالما احتفل به اللبنانيون (والسوريون) متذكرين الوجوه الوطنية التي علقها جمال باشا على أعواد المشانق في بيروت ودمشق بعد محاكمة سريعة في بلدة عاليه الجبلية اللبنانية. الإعدام استند الى التعامل مع العدو الفرنسي أو الانكليزي في حالة الحرب (الحرب العالمية الأولى). كان هؤلاء، وغيرهم ممن هرب الى مصر وفرنساوالولاياتالمتحدة، يناهضون الحكم العثماني ويدعون الى الاستقلال. وكانت أيامهم عالقة بأحلام النهضة والتشبه بالغرب حضارة واجتماعاً. لا مجال للحكم عليهم إلاّ في زمنهم، إذ اعتبروا شهداء الوطن وضعفَ هذا الاعتبار شيئاً فشيئاً مع تغير نظرة الكثيرين الى التجربة العثمانية. كم نقرأ اليوم من مدائح بالسلطان عبدالحميد الذي كان رمزاً للاستبداد ومحل كراهية المثقفين. اللبنانيون يحتفلون اليوم بالشهداء باعتبار أن معظمهم كان صحافياً فهم شهداء الصحافة الذين تبعهم آخرون حتى أيامنا الحاضرة. وفي الذكرى، نشير الى تناقض في مطلع القرن العشرين بين الحركتين الوطنيتين في مصر ولبنان (وسورية). كان المصريون يمتدحون المقربين من إسطنبول لمناهضة الاحتلال الإنكليزي، فيما يعتبرون المقربين من فرنسا وانكلترا غير وطنيين. والنظرة كانت معكوسة في لبنان (وسورية)... الوطنية تقاس بهدفها، والهدفان متناقضان. من يذكر ولي الدين يكن التركي الكاتب بالعربية مقيماً في القاهرة يناهض منها السلطان العثماني. كانت كتاباته مقدرة تقديراً عالياً في لبنان (وسورية) ومهملة بشكل مقصود في مصر.