أدلى الناخبون في بريطانيا بأصواتهم أمس، في انتخابات عامة حساسة خيّم عليها خياران حاسمان، بين فوز حزب واحد بغالبية كافية للحكم، أو انتخاب برلمان معلق لا يتمتع فيه أي حزب بغالبية كافية، ما يعني الدخول في مرحلة عدم استقرار سياسي. وأظهرت استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة، تعاظم مخاطر الخيار الثاني، علماً أن آخر مرة فشل فيها أي حزب في نيل غالبية كافية في مجلس العموم (البرلمان)، كانت عام 1974 حين اضطر الناخبون الى العودة الى صناديق الاقتراع بعد أشهر من تشكيل حكومة غير مستقرة. ويعود ذلك الى أن تركيبة النظام الانتخابي في بريطانيا، تؤدي عادة الى فوز أحد الأحزاب الثلاثة الرئيسية بالغالبية، فيما يبقى الحزبان الآخران في المعارضة، كما كان الحال عليه في الأعوام ال13 الماضية والتي تفرد خلالها حزب العمال بالحكم بعد فوزه على حزبي المحافظين والديموقراطيين الأحرار. وهذا الاستحقاق هو الاختبار الأول لرئيس الوزراء غوردون براون الذي تولى منصبه بفعل تنحي سلفه توني بلير عن قيادة حكومة العمال. ولا شك في أن نجاح براون سيشكل معجزة بعدما رجحت الاستطلاعات تقدم زعيم «المحافظين» ديفيد كاميرون عليه. لكن الاستطلاعات ذاتها لم تتوقع فوز كاميرون وحزبه بغالبية كافية (326 مقعداً من أصل 650 يتألف منها مجلس العموم)، ما رجح أن تؤدي الانتخابات الى برلمان معلق. ويحق لأكثر من 44 مليون بريطاني الإدلاء بأصواتهم. وفتحت مراكز الاقتراع ال50 ألفاً أبوابها أمام الناخبين لاختيار 650 نائباً من بين 4149 مرشحاً يطمحون لدخول مجلس العموم. وشمل الاقتراع أيضاً انتخابات محلية في جزء من البلاد. وتوقع نحو مئة استطلاع في الأسابيع الأخيرة فشل حزب العمال متأثراً بانحسار شعبية براون (59 سنة) في مواجهة كاميرون (43 سنة). لكن تراجعاً طفيفاً ل «العمال» قد يتيح لهم الاستمرار في شغل العدد الأكبر من مقاعد البرلمان في حين يحتاج «المحافظون» الى جهد مضاعف للفوز بالحكومة. وأمل الحزب القومي البريطاني (يمين متطرف) في الفوز بمقعد في البرلمان للمرة الأولى. وأدلى براون وزوجته سارة بصوتيهما في مسقط رأسهما في مقاطعة فايف الاسكتلندية، فيما صوت كاميرون وزوجته سامانثا في اوكسفوردشاير. أما زعيم «الديموقراطيين الأحرار» نك كليغ الذي سطع نجمه خلال الحملة الانتخابية فصوت في شيفيلد، وحده لأن زوجته ميريام اسبانية لا تحمل الجنسية البريطانية. وكان الثلاثة جالوا في أنحاء البلاد حتى الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية لحشد التأييد. وقال كاميرون للناخبين في بريستول (جنوب غرب): «في هذه الانتخابات لا تتركوا الخوف ينتصر على الأمل». وقال براون في اسكتلندا: «في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها اقتصادنا، في هذه المرحلة الحاسمة لبلادنا أطلب منكم العودة الى حزب العمال». ودعا زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار الناخبين في مدينته في شيفيلد (يوركشاير) الى «أن يطمحوا الى المرتبة الأولى وألا يكتفوا بالمرتبة الثانية». وكانت آخر استطلاعات الرأي سجلت تقدماً للمحافظين على العمال في حين حل الديموقراطيون الأحرار في المرتبة الثالثة. وتوقعت نتيجة وسطية للاستطلاعات نشرت عشية الاقتراع قبل فرض التعميم الانتخابي، حصول المحافظين على 35 في المئة من الأصوات في مقابل 29 في المئة للعمال و26 في المئة للديموقراطيين الأحرار. وتعطي هذه النتيجة العمال العدد الأكبر من المقاعد (272) مع تقدم طفيف على المحافظين (270). وقال بن بايج المدير العام لمعهد «ابسوس موري» للاستطلاعات إن «شخصاً من كل 10 يمكنه تغيير رأيه أثناء التصويت». وهذه النتائج المتقاربة قد تعود بالفائدة على حزب الديموقراطيين الأحرار الداعي الى «التغيير» والابتعاد عن «الأحزاب القديمة». وعامل المفاجأة في هذه الحملة هو ارتفاع شعبية كليغ «الوجه الجديد» في هذه الحملة بفضل أدائه الجيد خلال المناظرات التلفزيونية بين زعماء الأحزاب الثلاثة الكبرى. وهذه المرة الأولى التي تقام فيها مناظرات بين زعماء الأحزاب الثلاثة خلال الحملة. وأقر ناخب من كل ستة (17 في المئة) بأنه غيّر رأيه بعد كل مناظرة من المناظرات الثلاثة بحسب استطلاع أجراه معهد بوبولوس نشرت نتائجه أمس. وكشفت صحف عدة للمرة الأخيرة أمس، ميولها وعنونت صحيفة «ذي صن»: «أملنا الوحيد» مع صورة لكاميرون مذكرة بحملة باراك أوباما الانتخابية. وكتبت صحيفة «ذي دايلي ميرور» الى جانب صورة لكاميرون «هل حقاً سيصبح رئيساً للوزراء»؟ وبدأت شبكات التلفزيون الكبرى في إذاعة نتائج الاستطلاع الذي جرى لدى الخروج من المكاتب الاقتراع فور إغلاق هذه المكاتب في حين لا ينتظر معرفة النتائج النهائية قبل بعد ظهر اليوم. وفي مجلس العموم المنتهية ولايته، يملك العمال 345 مقعداً والمحافظون 193 والديموقراطيون الأحرار 63 مقعداً.